النيل في القاهرة |
كتبها Administrator |
الجمعة, 26 يوليو 2019 14:09 |
النيل فى القاهرة
(1) يجىء كل ليلة محطماً من الترحالْ كأنه "أبوالعيال" الخبز فى كفيه، والهموم فى جبينه، وفوق ظهره لفافة من الحبالْ يلقى بها تحت سرير زوجةٍ، فائرة الحسن ، لم تزل .. غنية الدلال تسألهُ : عن الأٍساور التى وَعَدْ وعطرها الذى نفد تسأله : ما رأيه فى هذه الستائر وكيف لم يلاحظ الكحل ، ولا الضفائر ؟ تسأله : ألا تريد أن ترى حذائى المنضدا ؟ يجيب والنعاس فى عينيه - يا حبيبتى .. نرى غدا .. لكنه قبل بزوغ الفجر ، يرتدى ثيابه الزرقاءْ وينحنى مقبلاً جبينها الوضاء وحينما تسأله البقاء لحظة ، يشد فوق صدرها الغطاء وينثنى للباب هامساً : - إلى اللقاء يا حبيبتى .. إلى اللقاء
(2) عند انكسار الشط فى بولاق وحيث يوغل النيل إلى الأعماق أقام عمى صابر تعريشة للشاى ، والقهوة ، والينسون يؤمها العشاق وساقوا الغليون ! .. وحينما ينتصف الليل ، ويصبح النسيم وشوشات وينتهى الحديث بالتبات والنبات ينزل من سمائه القمر مغتسلاً فى النيل ، وسط شلة من النجوم بلا هموم (3) الأغنياء أشرفوا عليه من شواهق الأبراج والفنادقْ والفقراء افترشوا العشب على شطآنه ، وصافحوا مياهه من الزوارق ولم تزل فتاته المصرية العينين والهوى .. تجىء يوم عرسها إليه .. كى تعانق لكنما المسافر الدؤوب لا يهدّىء الخطى ، وينطلق مجدافه العتيق هادر ، وعينه على نهاية الأفق ! (4) كنت إذا طغى الأسى بأضلعى، أسير جنب الشط ناظراً فى النيل وكلما تأملت عيناى فى مياهه الخضراء انزاح همى الثقيل ! .. وعندما اغتربت ، كنت حينما يفيض بى الحنين ، أستعيد وجهه النبيل وقد تراقصت به الأمواج ، وانحنى على شطآنه النخيل فأسترد بعض روحى ، أستشف نسمة ممزوجة بالعشب ، تطفىء الغليل ! .. واليوم .. ها أنا أعود ، كل خطوتى اشتياقْ من بعد حلوان .. إلى بولاق ارتفعت من حوله ستائر الأسمنت ، والنيون ولم يعد يُرى الغليون وصرت كلما شببت كى أرى مياهه الخضراء تثاقلت بى الشجون
ـــــــــــــــــــــــــــــــ |