الإيمان والعمل الصالح
يمتلئ القرآن الكريم بالعديد من الآيات التى تقرن بين الإيمان بالله والعمل الصالح ( الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) . ولا شك أن لهذا الاقتران المتواصل بينهما دلالة كبرى ينبغى أن تكون موضع تأمل وتدبر وامتثال . فالإيمان االذى هو معتقد قلبى وعقلى خالص لا يكاد ينفك عن الأعمال الصالحة التى هى فى الغالب من أعمال الجوارح ، والتى تنبع فى الأصل من دوافع داخلية فى الإنسان ، لكنها تظهر فى صورة أعمال وأقوال وتوجيهات ، لها فى واقعه الخارجى أثر مباشر.
ـــــــــــــــــــــ
وإذا حللنا قليلا مفهومىْ الإيمان والعمل الصالح ، وجدنا أن الإيمان أمر ذاتى ، أى يتعلق بكل لفرد على حدة ، وفى حد ذاته . أما العمل الصالح فهو شأن موضوعى يرتبط بالآخرين وينعكس عليهم . وهكذا يترابط الذاتى والموضوعى لدى المسلم الحقيقى ، وبالتالى يتم استبعاد شخصيْن :
المسلم الذى لا يعمل الصالحات ، والذى يعمل الصالحات وهو غير مؤمن فالأول هو الأنانى الذى يسعى لإنقاذ نفسه فقط ، دون أدنى اهتمام بمن حوله، والآخر هو الذى يتظاهر بالتقوى أمام الناس ، وقلبه فارغ من الإيمان !
ـــــــــــــــــــــ
فإذا سألنا : وما الإيمان ؟ نقول إن رسول الله ،صلى الله عليه وسلم ، فصّله فى ستة عناصر هى ( الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره ) ولخصه الفيلسوف المسلم محمد إقبال فى ركيزتيْن هما : الإيمان بالله الواحد ، والإيمان بالبعث بعد الموت . ولا أرى تعارضا بين المفصل والملخص لأن من يؤمن بالله يؤمن بالضرورة أنه تعالىى له ملائكة وأنه أنزل الرسل وأعطى بعضهم الكتب ، أما الإيمان بالقدر فهو تابع للاعتراف بقدرة الله الذى فطر الكون ووضع فيه السنن الإلهية التى تديره وتحفظه.
ـــــــــــــــــــــ
فماذا يشمل العمل الصالح ؟
كل ما من شأنه أن يصلح حياة الفرد والمجتمع ، ولايلحق الضرر بأى منهما . ومن ذلك : حسن معاملة الأبوين ، وتربية الأبناء ، ومراعاة حقوق الجار ، وصلة الأرحام ، والإحسان للفقراء والمساكين ، والسعى فى مصالح المسلمين ، والتعايش مع غير المسلمين ، والحفاظ على البيئة وعدم تشويه عناصرها .. إلخ هذا ولا يقتصر العمل الصالح على فترة حياة المسلم فقط ، بل إنه يمتد لأثره بعد وفاته ، ومن ذلك الولد (الصالح) الذى يواصل سيرته الحسنة ويظل يدعو له ، والعلم الذى ينتفع الناس به ، والصدقة الجارية المتمثلة فى الوقف الخيرى.
ـــــــــــــــــــــ
وحسبى هنا أن أكتفى بمثال واحد من السنة النبوية يبيّن بعض جزئيات العمل الصالح فى أمر غاية فى البساطة :
ورد فى البخارى ومسلم أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال :
ـــ إياكم والجلوس فى الطرقات !
فقالوا : يا رسول الله ، ما لنا من مجالسنا بد ، نتحدث فيها .
فقال : فإذا أبيتم إلا المجلس ، فأعطوا الطريق حقه .
قالوا : وما حق الطريق يا رسول الله ؟
قال : غض البصر ،
وكف الأذى ،
ورد السلام ،
والأمر بالمعروف ،
والنهى عن المنكر . ـــــــــــــــــــــــــــ
|