مِيلادُ أربعِ قِطط |
كتبها Administrator |
الأحد, 24 فبراير 2013 13:28 |
مِيلادُ أربعِ قِطط [كُتبت في يوليه 1966 ، أي قبل نكسة 1967 بحوالي عام ، وكانت مصر مثقلةً بالشِّعارات الجوفاء ، والوضع الاقتصادي والاجتماعي الخانق ..] الليلُ يسقط فوقَ شارعنا القديمْ والعائدون إلى منازلهم .. معاطف مثقلاتْ حملت مِن المطر الكثير ، وأوحلت أطرافها المتمزقاتْ وخلا الطريقْ .. لا شيء غير الصَّمت ، يقطعه رذاذ الماء من وقتٍ لآخرْ ! وكما تهز الريحُ شُبَّاكي ، فيعوي من تماسكه العتيقْ ماءت هنالك خلف صندوق القمامة .. قطةٌ عجفاءْ وتمرَّغت في الوحل ، وانتفضت من الأنواءْ وامتدَّ في وجه السماء تمزُّقُ البرق المضيء أسلاكَ نارٍ تخطف البَصَرا .. وتشعُّ تحت سناه عينا القطة السوداءْ نظراتُها المترنحات ، وصوتُها المتقطعُ . وعلى القمامة أربعُ .. عمياءُ .. تبحث في صقيع الليلة الحمقاء عن ثدي دَفِئْ .. وتسوخ في الأوحال ، ثم تعود تنكفئُ .. صَرخاتها المتلهفات تذوب في وقع المياه .. « عودي بنا أمَّاهْ ! ! » « عودي بنا أمَّاهْ .. » * * الليلُ يمضي مُثقَلَ الخطوات ، معصوبَ الجبين. والفجر مرتعش ، يحاول أن يبين ولا يبين والقطة العجفاء ذاهبة تفتش عن لُقَيْمه ! « رَبَّاه .. كل الدرب أوحال ، ولا ظل لشيء ! » « والناس ما زالوا نيامًا ، والقمامة موحله » « حتى القمامة .. موحله ! » وجرت مبعثرةً ، تسائل كل زاويةٍ وركن وتقلِّب الأحجار لاهثةً ، وتعدو شارده « الجوعُ يَفري ، والنهار.. « سيجيء بالأطفال يعتصرون أمعاء الصغارْ.. « ولكم تفسَّخ تحت عينيها .. صغارْ ! » * * عادت وقد طلع الصباحُ ، وشقَّت الشمسُ الضَّبابْ لترى الصِّغار على القمامة ، والرصيف مبعثرينْ الوحلُ في الأفواه مَحشوٌّ ، وفوق رؤوسهم متكوِّمُ وعلى محاجِرهم دمُ .. وتحسَّست أجسادهم ، فبَكتْ ، وماءتْ ، وانثنت للشارع المسدودِِ .. تَعبره ، وتسمع في مداهْ صوتًا يدافعها صداهْ .. « عودي بنا أُمَّاهْ .. » . عودي بنا أُمَّاهْ .. » . * * *
|
آخر تحديث الأحد, 24 فبراير 2013 13:29 |