الدرب الأحمر |
كتبها Administrator |
الجمعة, 26 يوليو 2019 13:47 |
الدرب الأحمر
النوم لا يأتى لهذا الحىّ ، بل إن المساءْ يعطيه بعض نجومه ، حتى يضىء إلى الصباحْ فتظل ساهرة مقاهيه التى تمتد من (سوق السلاح) وعلى جوانبها المقانق ، والسميط ، وكل أنواع التسالى .. والجالسون يحركون الزَّهرَ فى عصبيةٍ ، ويناقشون بلا انتهاءْ عُقدَ السياسية ، والرياضة ، والنساءْ! .. كانت لشلّتنا الصغيرهْ جلسة مألوفة فى ركن مقهى .. نتقاسم الأفراح فيها ، والمشاعر ، والهمومْ .. وتدور أغنية لـ (سومه!) فتثير فى الأعماق أشجانا ، وتبعث فى الضلوع رؤى قديمهْ .. ومع ارتشاف الشاى تنكشف الغيومْ ويقول قائلنا : - أليس المرء موجوداً لينعم بالحياة ؟! والذكريات تباعدت ، فلم التباكى كلما مرت علينا الذكرياتْ ؟! قد يبسم الغدُ للحزين ، وتستجيب على مدى الأيام .. أغلى الأمنياتْ ! .. ويشوقنا أن نَذْرَعَ الحارات فى ليلِ الشتاءِ، من (المؤيَّد) لـ (الرفاعى) .. متحدثِّين عن المعارك ، والسيوفِ ، وعن مقاومة القلاعِ .. وبأىّ بادرة تجرّأَ ذلك المملوكُ ، فاستعدى الحصانَ الحرَّ ، كى ينجو بفارسِهِ الشجاعِ .. * * ونغوصُ فى الأمس البعيدِ .. وقد تزيّنتْ المدينةُ لاحتفالات الخلافهْ وتواصلتْ فى المولد النبوىّ راياتُ المواكبِ ، والمشاعلُ ، والليالى الفاطميهْ هذى شواهِدُها تُحدّق من عيون المشربيهْ لكننا نهفو إلى حِطّينَ ، يَقْدُمُها صلاحُ الدين منتصراً ، ويعفو عن ملوك الغَرْبِ ، يظهرُ بالخصال القاهريهْ ! * * وهنا .. تجمّعَ حول بيبرسِ المفدَّى .. ألفُ فارسْ وتعاهدوا أن يُوقفوا زحفَ التتارِ .. إلى الأَبدْ .. ماذا جرى ؟ ويضيفُ قائلنا: - ألسنا من سلالتهم ، وهذا الشبلُ من ذاك الأسدْ ؟! * * ونكون قد صرنا .. إلى (باب الوزيرْ). حيث المدافنُ ، والشواهدُ ، والقبورْ يغدو حديث الجن شاغِلنا ، فنفرغ ما لدينا من حكاياتٍ ، ويقربُ خطونا من خطو بعضْ ويلفنا صمتّ المكان .. فننتفضْ! * * الصبح فى تلك الأزقة لا يفاجئها .. فتصحو .. فى ارتخاءْ تتفتّحُ الشرفاتُ عن بعض العجائزِ ، والنساءِ الكاسياتْ ! يحكين كيف مضى المساءْ؟ ومتى احتوى أزواجَهن البيتُ ؟ أىّ رطوبة هبطت قُبيَلْ الفجر ؟ ما هذا الشتاءْ ؟! * * ومن الدروب الضيقةْ تخطو الصبايا الكاعبات ، لتشترين الفول ، والخبزَ الطرىَّ ، وتجتمعن على الحليبْ (والأُسطواتُ) من المحلات الصغيرة ، يرقبون وهم قعودْ لَفّ (المرايةِ) ، واحمرارَ الكَعْبِ ، والوّعْدَ المغلّف بالصدودْ ! * * وتلوح سائحة رشيقهْ فيصيح بعض المعجبين : - الله يعطى من يشاءْ !! ويردّ بعضُ الجالسين : - الحُسنُ فى الكفّار فتنهْ يهوى بهم نحو الشقاءْ ! * * ويثور مندفعاً شجارْ أسبابُه معروفةٌ لجميع من يتجمّعونْ فيسارعون ليوقفوا طيْشَ الأكفِّ ويطفئوا غَضَبَ العيونْ ! " صلوا على طه النبىّْ !" وبسرعة يتفرقونْ " فاليوم .. مطلعُه بَهىّْ!" ** وإذا تمر جنازة ، يقف الجميع موحِّدينْ ومتمتمين .. بأن هذا العمرَ – مهما طال – محدود ، وأن الراحلينْ لم يستفيدوا من (مكاسبها) سوى ما قدّموه .. بطيب خاطرْ والله أعلمُ بالسرائرْ! * * يمضى الزمانُ ، وذلك الحىّ المعمّر قائمٌ لا ينحنى .. نفسُ الوجوه هى الوجوُه ، ونفسُ هذه الأمكنهْ .. ولربما حاكى مساجده التى قامتْ هنا .. من ألف عامْ ! أو ربما حاكى مقابرَه التى تمتصُّ من نهر الحياةِ .. على الدوامْ ! أو ربما كانت له أسرارُه الأخرى .. وويلٌ للذى يسعى .. لينكشف اللثامْ !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |