قصيدة شجرة التوت طباعة
كتبها Administrator   
الأربعاء, 16 نوفمبر 2011 20:03

 

قصيدة شجرة التوت

 

للشاعر د . حامد طاهر


 

 

 

خضرة الأرض .. والقرى .. والسواقى

ورمـال على المـدى .. وسحابه

وجـــمــــوع مــن الحـمـــــــــام .. وراع

يتغنّـى .. ونخـلتــان .. وغـابــه

وصـفيــر القطــــــار ينـداح فـى الأفــــــــق وتجـــــرى خـطواتــه صخـابـــــــــه

لـــحظــــات تــهـــز بـالقــلـــب فــرعــــا

مـن صبـــاه ، وتستعـيـد شبابـه

يـــــوم كــــانــت دقــاتـــــه أغــنــيــــات

وهــــواه تـطـلعـــا ، وصبــابــه

والأســــــاطـيـر فــــى زوايــــاه نــهــر

يتـرامـى .. وشـاعر .. وربـابـه

ومســـــــــــــاء مـعـطّـــر بــالأمـــانـى

واشـتيــاق الطفـولـة المنسابــــه

وحـنــــان يــشــــع مــن عـيـــن جـــدّ

غضّن الصبــر والزمـان إهابـه

فــإذا مـا أتــى الصـبـاح .. انـطـلـقـنـا

صبية فى الفضاء نطوى رحابه

الخـليـج المـــــلآن كـــم ضـــمّ عمــرا

لــــوّن الحـب شمســه وترابــه

والفــراش الذى سبـانــا ، فـهـمـنـــــا

خلفه فى الحقول.. نجنى سرابه

ودبيب إلــى المقــــــابـر واليـوم عيـــــــــون علـى الكـــــــوى .. مرتــابـــــــــه !

كـــــان شــئ يشــدنــا للأعــاجـيـب

فـنـعـطـيــه أضلعــــا وثّــــابـــه

ومـــــع العــــــود ، تـلتــوى خطـوات

أنضـج الصّهـد جلـدها ، وأذابـه

فتـــــــــدور العيـــون تبحــــــــث عـن قطعــة ظــــــــل وللعيـــون انتحــابـــــــــه

 


* * *

 

" دوحة التوت .. أسرعوا يا رفاقى"

وتهيـج الأنفـاس ، يعلو صداهــا

نـتـبـــارى علـــى الــوصـــول إليهـــا

ونـغـنـّى إذا بـلغنــــا حـمــاهـــــا

وعلـى أرضهــــــــا النديــة تـرتــاح جـــلابـيــبُ أشـربــت مــن ثـــراهــــــا

صبـغـتـهــا الريــــــــاح والطـيـــــــن والشمس مرارا فغيـّمـت مــرآهـــــــــا

ويـهـبّ النسـيـــــم فـــى الأفـرع الخضـــــر فتمتــــــدّ بالعطـــــاء يـداهــــــا

وتســــــوق الأوراق رائحــــــــة الخصب فتمحـو عـن القلـــوب صداهـــــا

آه يـــا ضمّــــــة الأمــــــومـة مـا أحنى ذراعـا ، وأضلعا ، وشفاهــــــــا !!

تـنـحنــى فـوقـنــــا بعـطــف كبـيــــر

تتــلقّــى عـطـــاشنـــا بنـداهــــا

والـعـصـــافيــر سقسقـــات عـــــذاب

وغصــون تيّـــاهـة فــى علاهـا

وإذا صـيـحــــة تـدمــدم فــــيـنـــــــا

" أيّـكـم ينتـهى إلى أعلاهـــا ؟ "

فتهـــــب الأكـفّ ، تـلتقط الأفــــــرع فـــى دربــــــة وتـلــــوى قـواهـــــــــا

صفّقوا يا رفــــاق للبطل الوثّاب والشــــــــمس ترتـمـــــــى فـى مداهــــــــا

عندهــــــــا نذكر البيــوت ، فنستشعـر زحـف الدجـــى وصمت رؤاهـــــــا

آن أن تبعــــــد البــلابـل فــى الليــــــل ولكـــــــن مــع الـصبـــاح لقاهــــــــا

مـن جديــــد يـا أفرع التـوت نأتـى

غيمــة ، يدفع الحنيــن خطاهـا

 


* * *

 

ذكريــــات تهــزّنــى حيـــن أرنــو

بخيـالى إلى الصبــا ، وحياتــــه

وتـزيــد الدقـــات ، ينتـفـض الصـــــدر إذا أيقــظ الهـــــــوى طـعناتـــــــه

ومشـى فـى العـروق لحــن مدمّـى

صبغـــت روعـة الأسـى رنّاتـه

مــا تزال الأصــداء فـى رحبــة الأفـــــــق ولـم يبـــــرح السـنا شرفاتـــه

وزهــــور علـى الطريـق .. ونبـع

يتهـادى المـوّال فــى موجـاتـــه

وتـــلـوح الظـلال مــن خلل الدمـــــع وتنمـــــــو الحيــــــــاة فــى حبّـاتــه

تحت هذى الفـروع .. كـان لقـــاء

أرعشت نسمة الهـوى كلماتــــه

وسكتنــا .. فـوقّع الصمـت لحنـــا

يـا حنـان الحنـان فى نغماتـــــه !

صعـد القلــب يومهـــا بجنــاحيــن مــن النــــــور واحتـــــوى نجماتــــــه

ثــم أهــوى المســـاء يا شهقة الصدر ، ويا صحــــوة الهوى من سباتــه

الضـحـــى نـلتـقــــــى بعيـد علينـــــا فليكــــن والصبــــاح فــى خطواتــه

عنــد شـــط الخـليـــج ؟ لا .. عند أمّ منحــــت مولـــد الهـــوى شمعـاتـــه

إجعليـهـا محرابنـــا .. إن بعـدنـــا

يقصد القلـب نحوها فى صلاته

 


* * *


 

عــدت يــا قريتـى أضمّ حنينـــا

أبـديـــــا .. إلــى ثــراك الحنـــــون

لهفـة تشـــرب المدى خفقاتــى

وأضــــــمّ الأشيـــاء مـلء جفونـى

كـل خطــوى تحيـــــة لك أهديهـــــا وكـل الهـــــــــــوى ، وكـل الجنــــــــون

التـــراب الـذى تمــرّغـت فيـــه

والمســــاء الــــذى أثــار شجونـى

والحيـــــاة الخضــــراء فـى أفرع التـــــــوت وأوراق ظلهــــا تحتـوينـــــــى

 


* * *


 

عـــــــــــدت يــا قريتـــــــــــــى .. أحدّق فى النـاس وللنــــاس غربـة فى عيونــى

ذابـــــــــت الألفـة القديـمــــــــــــة فــى الأعيــــــن واهتـزّت الرؤى فـى ظنونـــى

وتســــــــــــــاءلـت :

أين خيمة أحلامى وحبى ، وفرحتى ، ويقينى ؟!

فتـلاقـــــــــــــت عيـونهــم ، واستـدارت همســـــــــــات مـن الأســـــى المدفــــون

قطعـــــــــت فــى الشتــــاء للدفء .. ما أقسى انهمار الجليــــــــد فــوق الجبين ! "

 


* * *

 

آخر تحديث الخميس, 06 يونيو 2013 00:08