عداد الزائرين

mod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_counter

إضافات حديثة

   
 
قضية العلاقة بين الفلسفة والدين


قضية العلاقة بين الفلسفة والدين صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك
كتبها د . حامد طاهر   
الاثنين, 13 ديسمبر 2010 03:01

 


قضية العلاقة بين الفلسفة والدين
بين ابن تومرت ، وابن رشد



يتوقف تطوير الدراسات الحديثة فى الفلسفة الإسلامية، إلى حد كبير، على استمرار عقد المقارنات بين كبار مفكريها من ناحية ، ثم بينهم وبين مفكرى العالم من ناحية أخرى() . ومن المعروف أن المقارنة بين فكرتين لشخصين مختلفين تساعد كثيرًا على بيان قيمة كل قيمة كل منهما ، بالإضافة إلى أنها تضع أيدينا على عناصر القوة والضعف فيهما ، وأخيرًا فإنها تفتح الباب لأفكار أخرى جديدة ، قد تنبثق من وضعهما وجهًا لوجه ، أو تحليلهما معًا فى إطار واحد .


وليس من الضرورى – فى مجال الدراسة المقارنة – أن تكون الفكرتان متشابهتين ، كما هو مشهور ، وإنما يمكن أن يتسع مجال المقارنة فيشمل الأفكار المتناقضة ، أو المتضادة ، بل إن المقارنة فى هذا الميدان الأخير ربما كانت أهم وأخصب ، سواء فى نتائجها ، أو فى أسلوب طرحها ، أو حتى فى مجرد لفت الأنظار إليها() .


وانطلاقًا من هذه المقدمات ، سوف ينحصر بحثنا هنا حول قضية العلاقة بين الفلسفة والشريعة ، أو بين العقل والنقل ، وهى فى رأينا من أهم القضايا الحقيقية التى شغلت الفكر الإسلامى فى عصوره السابقة().


(
ومما هو جدير بالإشارة أن هذه القضية قد عادت فى شكل جديد لتفرض نفسها بقوة على المسلمين فى العصر الحاضر) والمقارنة التى نقصدها تتعلق بشخصيتين متميزتين فى تاريخ الفكر الإسلامى ، وهما ابن تومرت ، وابن رشد ، حيث يقدم كل منهما فكرة متعارضة تمامًا لفكرة الآخر .


وابن تومرت ، المتوفى سنة 542هـ ، هو الزعيم الدينى الذى قوض دولة المرابطين ، وكان لحركته الإصلاحية القوية أثر كبير فى قيام دولة الموحدين فى المغرب والأندلس ، خلال النصف الأول من القرن السادس الهجرى ، وإذا كان ابن تومرت قد توفى قبل أن يشهد قيام النظام الدينى والسياسى الذى كرس حياته كلها من أجله، فقد كان لتلميذه المباشر ، وساعده الأيمن عبد المؤمن (ت 558هـ) الفضل الأكبر فى تحقيق حلم أستاذه الراحل() .


أما ابن رشد ، المتوفى 595هـ ، فهو الطبيب ، والفقيه ، والفيلسوف الشهير ، الذى استعان به ابن عبد المؤمن نفسه() ، لكى يشرح مؤلفات أرسطو ، ويبسط مراميها لقراء اللغة العربية . ومن المعروف أنه أدى مهمته باقتدار كبير ، وعلى يديه بلغت الفلسفة الإسلامية أقصى تطور لها فى العهد القديم .


وعلى الرغم من أن ابن رشد قد نشأ ، وتكون ، وطارت سمعته فى عهد دولة الموحدين ، فإننا نجده يختلف اختلافًا أساسيًا مع مؤسس الدولة الروحى : ابن تومرت ، حول تلك القضية الهامة ، والخاصة بالعلاقة بين الفلسفة والشريعة – وهذه إحدى مفارقات المقارنة من الناحية التاريخية !


وفى عرضنا لهذا الموضوع ، سوف نتبع منهجاً محددًا وواضحًا فى الوقت نفسه ، وذلك بأن نعرض أولاً لفكرة ابن تومرت عن العلاقة بين الفلسفة والشريعة ، ثم نتبعها بفكرة ابن رشد عن نفس الموضوع ، معتمدين أساسًا على نصوص كل منهما ، بعد تصنيفها ، ووضعها فى نسق منهجى متطور() . ولن يكون تدخلنا فى مرحلة عرض الأفكار إلا بالقدر الذى نشير فيه إلى مواطن القوة أو الضعف، ومن واقع المقاييس التى استخدمها كل من المفكرين . وأخيرًا سوف نعقب بخاتمة تشتمل على نتيجة المقارنة ، وهى مجموعة الملاحظات التى قمنا بتسجيلها أثناء البحث، أو برزت – كما سبق أن أشرنا – نتيجة لوضع الفكرتين فى إطار واحد ، وتحليلهما معًا .

 


أ-فكرة ابن تومرت :


يرى ابن تومرت أن الشريعة كيان قائم بذاته ، مستقل تمامًا عن العقل الإنسانى ، وبالتالى فإن ثبوتها لا يتوقف بحال من الأحوال على أحكام هذا العقل ، وبراهينة الخاصة به ، وهو يستدل على أن الشريعة لا تثبت بالعقل بأربعة أدلة . هى على النحو التالى :


الدليل الأول :
أن العقل ليس فى إلا الإمكان والتجويز ، وهما شك ، والشك ضد اليقين . ومحال أخذ الشئ من ضده .
وهذا معناه أن الشريعة ، التى هى يقين خالص ، لا ينبغى أن تعتمد فى ثبوتها على قوانين العقل ، التى قد تشتمل على نوع من الشك .


الدليل الثانى :
أن ضرورات العقل لا تخرج عن ثلاثة أحكام : واجب ، وجائز ، ومستحيل ، ربما أن العبادات – التى هى ركن أساس من الشريعةليست من قبيل الواجب العقلى ، ولا هى من قبيل المستحيل ، فلم يبق إلا الجائز .. ومن المعروف أن الجائز يؤدى أحياناً إلى التمانع ، وإذن فلا يمكن أن يعتمد جزء أساسى من الشريعة على مبدأ الجواز الذى يؤدى إلى التمانع .


الدليل الثالث :
أن أعيان الأشياء – من وجهة النظر العقلية البحتة – كلها متساوية ، وبالتالى فإن بعضها ليس أحق بالإباحة من البعض الآخر. وكذلك الحال بالنسبة إلى الحظر . وإذا تساوت تمانعت ، وإذا تمانعت بطلت .

الدليل الرابع :
أن اله تعالى مالك الأشياء . وهو يفعل فى ملكه ما يريد . ويحكم فى خلقه كما يشاء ، وبالتالى فليس للعقل الإنسانى (المخلوق) أن يحكم على أفعال الله (الخالق) ، أو على أحكامه() .
ثم يهاجم ابن تومرت رأى القائلين بأن العقل يعتبر مصدرًا مستقلاً للحكم على الأشياء بالحسن والقبح . ومن الواضح أنه يقصد بذلك المعتزلة يقول : "وذهب آخرون إلى الاستنباط من عقولهم ، وتحسين الأشياء على ما أدتهم إليه ، وجعلوا أقيسة فى الشرع عدولاً منهم عن الحق"() .


وهو يقرر  فى حسم أن الشريعة كلها منحصرة فى مجموعة من المصادر ، التى يطلق عليها "أصولاً أو فروعًا" . وهذا معناه أنه لا حاجة أبدًا لتدخل العقل الإنسانى فى أمور الشريعة ، التى تتحدد – لديه – فى عشرة أصول ، هى على النحو التالى :


1-
أمر الله (تعالى) .
2-
نهى الله (تعالى) .
3-
خبره (تعالى) يمعنى الأمر .
4-
خبره (تعالى) بمعنى النهى .
5-
أمر الرسول r  .
6-
نهى الرسول r .
7-
خبر الرسول r بمعنى الأمر .
8-
خبر الرسول r بمعنى النهى .
9-
فعل الرسول r  .
1.-
إقراره r .
وأما فروع الشريعة ، فتتمثل فى الأحكام الخمسة التالية :
1-
الواجب .
2-
المندوب .
3-
المحظور .
4-
المكروه .
5-
المباح() .


وليس معنى كون الشريعة منحصرة فى تلك الأصول العشرة ، والفروع الخمسة أنها لا تؤخذ إلا من القرآن الكريم ، والسنة النبوية وحدهما ، وإنما يوجد إلى جوار هذين المصدرين الأساسيين : الإجماع ، والقياس . لكن ابن تومرت يذهب إلى أن كلا من الإجماع والقياس متضمن أيضًا فى المصدرين السابقين .


أما الإجماع فهو داخل تحت الأمر فى قوله تعالى : ) أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ( ()، وأما القياس فعلى قسمين : صحيح وفاسد . وأغلب القياس الفاسد متعلق بالعقل . أما القياس الصحيح (وتعريفه لديه : تساوى الغيرين فى الحكم) فهو القياس الشرعى، المستمد أساسًا من الشريعة . والمحكوم بمجموعة من الشروط ، تضمن لأحكامه أن تظل ، هى أيضًا فى حدود الشرع() .


وبالنسبة إلى مسألة توقف الإيمان على التصديق العقلى ، يعرض ابن تومرت لشؤال يقول :
-
ما الدليل على وجوب العبادة ؟


وهو يجيب عن هذا السؤال بسلسلة من الشروط ، المترتب بعضها على بعض ، والتى يتبين منها أن الإيمان يتوقف على      العلم ، ولكن العلم نفسه يعود فيتوقف على ورود الشرع ، يقول    ابن تومرت :


1-"
العباد لا تصح إلا بالإيمان والإخلاص .

2-ولا يصح الإيمان والإخلاص إلا بالعلم .
3-
ولا يصح العلم إلا بالطلب .
4-
ولا يصح الطلب إلا بالإرادة .
5-
ولا تصح الإرادة بباعث يبعث عليها (والباعث هو الرغبة والرهبة) .
6-
والرغبة والرهبة بالوعد والوعيد .
7-
والوعد والوعيد بالشرع .
8-
والشرع بصدق الرسول .
9-
وصدق الرسول بظهور المعجزة .
1.-
وظهور المعجزة بإذن الله تعالى"() .


وهو يؤكد أن هذه الشروط ، المترتب بعضها على بعض ، ضرورة لصحة العبادة ، لأنه لا يتوصل إلى العبادة إلا بها "وما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب – فاسم العبادة يتناول ما ذكرناه من الشروط المتقدمة ، ولا تصح إلا بها ، ومتى اختل شرط منها اختلت العبادة بأسرها ، ومهما وضع منها فى غير موضعه تناقض جميعها واختل تركيبها – وافتقار بعضها إلى بعض معلوم بالضرورة"() .


لكن ابن تومرت يعود فيدرك أن اعتراضًا قويًا يمكن أن يوجه إلى الأساس الذى بنى عليه هذه الشروط .. وهو المتمثل فى السؤال التالى :


هل يجب على الإنسان العلم قبل الإيمان ، أم الإيمان قبل  العلم ؟


وبعبارة أخرى : إن التصديق بصحة المعجزة للرسول (وهو الشرط التاسع فى سلسلة الشروط التى وضعها ابن تومرت) يتوقف على استخدام العقل ، مع أنه جعل العبادة ، فى بداية الأمر ، تتوقف على الإيمان !!


ويشير ابن تومرت إلى أن هذه القضية من القضايا التى     دار حولها نزاع كبير ، وافترق الناس بسببها إلى طوائف : "فذهبت طائفة منهم إلى أن أول الواجبات النظر ، وذهب آخرون إلى أن أول الواجبات الإيمان ، وذهب آخرون إلى أن أول الواجبات العلم ، وقال آخرون : الإرادة ، وكل يقيم حجته ، وينصب دليله ، ويبطل حجة صاحبه ، ويدفع قوله ، وينقض دليله . والعجب كل العجب من عدولهم فى ذلك عن الطريق ، وخروجهم عن سبيل التحقيق ، وتسوغهم الخلاف فيما لا يجوز فيه الخلاف" .


ومع ذلك ، فهو يورد للمعتزلة بالذات قولاً مفصلاً يصفه   بأنه : "شبهة إبهام" له خطورته على المستوى العقلى والدينى معًا ، يقول : ثم إن المعتزلة شمروا وأعملوا أفكارهم ، ودققوا ، وأتوا إلى هذا النظام ، فألقوا فيه شبهة إبهام ، وقالوا :


-
بم تنفصلون عن قول هذا السائل "بم أوجبتم على العبادة" أبدليل أم بغير دليل ؟
فإن قلتم : بغير دليل ، فقد تحكمتم على ، ولست بأولى بالتحكم على منى عليكم .
وإن قلتم : بدليل – فإن ذلك الدليل لا يخلو من أن يكون سمعيًا أو عقليًا .


فإن قلتم : عقليًا – فالعقل لا يوجب شيئًا ، وليس منه إلا تعارض الإمكانية والتجويز ، والتجويز تشكيل ، والشك لا يوجب شيئا .
وإن قلتم : بالسمع – فالسمع ، من جاء به ؟
فإن قلتم : الرسول – فبماذا يعلم صدق الرسول ؟
فإن قلتم : بظهور المعجزة – فعل يجب على النظر فى المعجزة أم لا ؟
فإن قلتم : يجب – فهل يجب بالعقل ، أم بالسمع ؟
فإن قلتم : بالعقل – فالعقل لا يوجب شيئًا ، إذ ليس فيه إلا ما تقدم من تعارض الإمكانين والتجويز .
وإن قلتم : بالسمع – فمن جاء بالسمع ؟
فخرجوا من هذا إلى التسلسل والمحال ، وبنوا هذا الدور على التلبيس والتعطيل ، حتى ضل به كثير من الناس ، وذهبوا إلى أن العقل يقبح ويحسن"() .


والواقع أن ابن تومرت يعترف بصعوبة القضاء على تلك الشبهة التى أوردها المعتزلة فيقول : "وهذه الشبهة التى ألقوها عسيرة المخرج ، صعبة المسلك – إلا عند المحققين الذين عرفوا قواعدها ، ومن حيث المدخل إليها"() . وهكذا فإنه يتصدى للرد عليها نظرًا لأهميتها ، وخطورة النتائج التى تترتب عليها "فإن سؤالهم ، على ما بنوه عليه ، يلزم فيه الدور ، ويؤذن ببطلان الشرع ، ووجوب العبادة"() .


وإنه لكى تزول تلك الشبهة ، ينبغى أن يقدم لها بمقدمات تبين أن الدين أمر ضرورى ، يرجع أصله إلى تقدير الله فى الأزل ، ثم تنفيذ هذا التقدير فى موعده المحتوم ، وبشكله المرسوم سلفًا ، من غير أن يكون هناك أى اختيار للمكلفين بتبليغه (سواء كانوا بشرا أو ملائكة) فى دفعه : "إن السائل عن وجوب العبادة : هل هى بالسمع أم بالعقل ؟ لا يخلو من أن يكون كافرًا ، أو موحدًا عارفًا :فإن كان كافرًا ، فلا كلام فيها معه ، حتى يعرف الوحدانية ، ويثبت الربوبية، ثم إذا أثبت الربوبية ، وعلم الوحدانية ، فلا يخلو من أن يكون : مكابرًا أو مسترشدًا() .


فإن كان مكابرًا سقطت مكالمته .


وإن كان مسترشدًا قبل له : إعلم أن البارى (سبحانه) قدر فى أزليته أن يظهر أشياء على ما يشاء ، ولابد من ظهورها على ما قدرها ، وأن قضاءه وقدره لا يتغير .


وأنه قدر فى أوليته أن يبعث رسولاً إلى قوم من عبيده فى زمن قدره وعلمه ، وأنه يظهر أحكامًا وشرائع على يديه ، ويظهر معجزة تدل على صدقه ، وأنه لما بلغ الوقت الذى أراده وعلمه وقدره بعث واسطة إلى هذا الرسول ، وهو جبريل ، u ، من غير اختيار لجبريل فيما أمره الله ، فأمره أن يبلغ رسوله ما أمره بتبليغه من الشرائع والأحكام إلى عبيدة ، فامتثل جبريل ما أمر به ، من غير استطاعة له فى دفعه ، ولا اختيار له فى رده ، فبلغ الرسول ما أمر بتبليغه ، فعلم الرسول ذلك ، وامتثل ما أمره به من غير استطاعة له فى دفعه ، ولا اختيار له فى رده .


ثم قال : يارب ، هؤلاء القوم الذين بعثتنى إليهم لا يعلمون صدق ما أقول .. فقال تعالى : ) فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ ( وأنا أظهر على يديك دلالة تدل على صدقك ، فبلغ الرسول ، r ، هذه الأحكام، على حسب ما أمر به من قبل الله سبحانه على ما علمه ، وقدره ، وأراده ..


فلا حجة للخلق فى دفعها ، ولا استطاعة لهم على ردها بعد تقررها وظهورها() .


ومن الواضح أن ابن تومرت يقيم إثبات الشريعة هنا على مبدأ الضرورة ، الذى يخضع خضوعًا كاملاً للإرادة الإلهية ، دون أن يظهر فيه – سلبًا أو إيجابًا – أى دور للعقل الإنسانى .


ولا يسعنا إلا أن نختلف مع ابن تومرت فى رفضه القاطع لمحاولة اقناع الكافر بأساس الشريعة ، فلا شك أن الدليل العقلى يمكنه أن يقوم – هنا – بدور هام ، يضاف إلى دلالة المعجزة ، التى تعتبر أيضًا – فى التحليل الأخير – دلالة عقلية خالصة .


ولا ندرى لماذا أغفل ابن تومرت الآيات القرآنية الكثيرة التى دعت الكفار والمشركين والناس جميعًا إلى النظر ، والتأمل ، والاعتبار فى ملكوت السموات والأرض ، لاستنباط النتيجة العقلية من وراء ذلك كله ، وهى إثبات الخالق ، الواحد .


ومهما يكن من شىء فإن ابن تومرت يبدو أنه قد شعر يضعف مبدأ الضرورة السابق ، كأساس كاف لإثبات الشريعة ، فحاول أن يستخرج منه بعض الأصول العقلية التى يمكن أن نلخصها فيما يلى :


1-
إمكان وجوب الشريعة ، وفائدته – كما يقول ابن تومرت – استحالة تكليف الناس بما لا يطاق .
2-
أن تكليف الله تعالى للناس ليس بموقوف على اختيارهم .
3-
أن أفعال الله تعالى ليسا بموقوفة على علم الناس بالغيب ، وأنه يفعل فى ملكه ما يشاء .
4-
أن البارى سبحانه واحد فى ملكه ، وليس له شريك فى خلقه .
5-
أنه لا استطاعة للناس فى التوصل إلى معرفة الغيب – إلا بواسطة.
6-
أن تلك لا واسطة لابد لها من إظهار ما أمرت بإظهاره .
7-
أنه لا يقبل من الواسطة إلا بدليل ( = بمعجزة) .
8-
إمكان النظر فى المعجزة التى أظهرها الله تعالى للدلالة على صدق رسوله .


وهكذا يضطر ابن تومرت إلى الاعتراف بإمكان انظر (العقلى طبعا) فى دلالة المعجزة على صدق الرسول ، لكنه لا يريد للعقل الإنسانى أن يخطو أبعد من ذلك . فبمجرد تيقنه من دلالة المعجزة على صدق الرسول ، تلزمه الطاعة الكاملة لكل ما يجئ به ، يقول : "والدلالة مستند صدق الرسول ، لا أنها مستند وجوب الأحكام .. فإذا ظهرت الدلالة على صدق الرسول ، فمن أعرض حينئذ فله العقاب ، ومن أجاب وأمتثل فله الثواب ، فيكون حينئذ فى حق الرسول فى قبول ما جاء به ، وأن لا استطاعة لنا على دفعه ، كالرسول فى حق جبريل u ، لما جاء به ، وتبين له الحق امتثل ، ولم يستطع دفعًا ولا أمكنه اختيار ، فكذلك نحن معه   : لا نستطيع دفعًا لما جاء به ، ولا اختيار لنا فيه – وهذا معلوم بالضرورة ، لا ينكره متشرع ، ولا يدفعه إلا مبتدع"() .


ولمزيد من التوضيح ، يقدم ابن تومرت مثالاً على ذلك فيقول: لو أن ملكًا من ملوك الدنيا،  جليل القدر ، عظيم الخطر ، مطاع الأمر ، بعث إلى رعيته رسولاً بكتاب يتضمن أمره ونهيه ، مع معرفتهم بتأتى ذلك منه ، وتكليفه لهم ما شاء .. ومعه خاتمه (الذى لا ينسب إلا إليه ، ولا يمكن وجود مثله عند غيره ، ولا يعطيه إلى علامة ودلالة على صدق رسوله) وكانت هذه الأمارات الثلاث من أمر هذا الخاتم معلومة عندهم ، مقطوعًا بها على صدقه .


فلما بلغ إليهم الكتاب ، وعلموا ما فيه قالوا له : إن الأوامر متأنية من الملك ، ونحن لا نعلم صدقك إلا بدلالة تدل عليه ، فأخرج لهم الخاتم ، فحين رأوه علموه ، وتحققوا أنه خاتمه الذى لا يظهر إلا دلالة على صدق رسوله ، فتقرر عند ذلك تكليفهم ، وتأكد تحقيقهم ، وصح يقينهم .


وهذا المثل ظاهر لاخفاء به عند ذوى النهى :

فمثال الملك مثال البارى (سبحانه ، وله المثل الأعلى)
ومثال رسول الملك مثال الرسول u .
ومثال كتاب الملك مثال الرسالة .
ومثال الخاتم مثال المعجزة .
فاستناد صدق الرسول إلى ظهور الخاتم .
واستناد صحة الكتاب إلى صدق الرسول .
فإذا علمت صحة الكتاب وجب التصديق بما فيه ، وامتثال ما تضمن من الأمر والنهى() .


لكننا نلاحظ أن المثال نفسه الذى أورده ابن تومرت يحتوى على نقطة تظل فى حاجة لتفسير : وهى أن رغبة الملك يعرفون الملك بالفعل ، أو كما قال بالضبط "مع معرفتهم بتأتى ذلك منه ، وتكليفهم لهم ما شاء" وإذن فلم يبق لهم إلا مجرد التأكد من أن هذا الشخص المبعوث إليهم هو رسول الملك حقا .. أما بالنسبة إلى موضوع إثبات الشريعة عن طريق المعجزة وحدها ، فالأمر مختلف، لأن الناس فى هذه الحالة يجهلون مصدرها ، وهم قبل كل شىء بحاجة إلى تزويدهم بدليل يؤكد لهم وجوده ، ومن الممكن أن هذا الدليل ، كما يكون معجزة حسية أو عقلية ، نازلة من السماء ، فقد يكون أيضًا برهانًا ينبع من العقل الإنسانى ، ويصبح ملزمًا له .


والواقع أن ابن تومرت يجد نفسه – فى نهاية الأمر – مدفوعًا إلى الاعتراف بدور العقل الإنسانى ، وخاصة فى مجال معرفة الله تعالى ، لكنه يقلص هذا الدور إلى أقل قدر ممكن ، وذلك عن طريق ما يسميه بالضرورة العقلية ، وهى المبادئ الأولية التى لا يتطرق الشك إليها ، ولا يمكن للعاقل دفعها .


وهذه الضرورة على ثلاثة أقسام : واجب ، وجائز ، ومستحيل.


فالواجب : ما لا بد من كونه – كافتقار الفعل إلى الفاعل .
والجائز : ما يمكن أن يكون ويمكن ألا يكون – كنزول المطر.
والمستحيل : ما لا يمكن كونه – الجميع بن الضدين() .


ويذهب ابن تومرت إلى أن "هذه الضرورة مستقلة فى نفوس العقلاء بأجمعهم : استقر فى نفوسهم أن العقل لابد له من فاعل ، وأن الفاعل ليس فى وجوده شك ، ولذلك نبه الله ، تبارك وتعالى ، فى كتابه ، فقال ) أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ( () أخبر تعالى أن فاطر السموات والأرض ليس فى وجوده شك ، وما انتفى عنه الشك وجب كونه معلومًا ، فثبت بهذا أن البارى ، سبحانه ، يعلم بضرورة العقل"() .


تلك هى فكرة ابن تومرت التى تبدو فيها الدعوة قوية إلى الاعتماد الأساسى على الشريعة ، ككيان قانم بذاته ، ومتضمن لأدلته وبراهينه الشرعية ، والتى يفضل عدم اللجوء إلى غيرها ، وإذا كان للعقل الإنسانى دور ما فى بعض المراحل ، فإنه دور بسيط ، لأن الشريعة قد احتوت على كل ما يلزم الإنسان المؤمن ، سواء من أدلة التصديق ، أو أوامر التكليف ، وحدود النهى .


وخلاصة الأمر أن ابن تومرت يكاد يصدر عن المسلمة التالية:
ما الداعى إلى اللجوء إلى العقل الإنسانى الذى قد يخطئ ونحن وبين أيدنا الشريعة ، وهى فى كل الأحوال صواب ؟!


ب-فكرة ابن رشد :


يعد ابن رشد بحق من أبرز فلاسفة المسلمين الذين تناولوا قضية العلاقة بين الفلسفة والشريعة ، أو العقل والنقل ، بل إنه يعد كذلك من أبرز من قدوا لها حلولاً واضحة ومحددة . وفى رسالته المركزة جدًا "فصل المقال" التى خصصها أساسًا لهذه القضية ، يحدد ابن رشد الغرض منها فى محاولته الإجابة عن السؤال التالى :


هل النظر فى الفلسفة وعلوم المنطق : مباح بالشرع ؟
أم محظور ؟
أم مأمور به (على جهة الندب أو على جهة الوجوب)() .
وفى البداية يعرف ابن رشد "فعل الفلسفة" بأنه : النظر فى الموجودات ، واعتبارها ، من جهة دلالتها على الصانع (أى من جهة ما هى مصنوعات)() .


والواقع أنه بهذا التعرف يتبلور مفهوم "الفلسفة الإسلامية" ، ويصبح له إطاره الخاص . فهى ليست فلسفة إلحادية خالية من فكرة الله (كما فى الفلسفة الإغريقية ، ولدى أرسطو بصفة خاصة) كذلك فإنها ليست فلسفة إشراكية ، تتعدد فيها الآلهة (كما عند الثنوية وغيرها من الديانات الشرقية القديمة) ولكنه فلسفة توحيدية ، تقوم على الإيمان بالله ، وتسعى – بناء على توجيهات الشرع نفسه – إلى إثبات وجود خالق هذا الكون ومبدعه ، عن طريق تأمل الموجودات ، واعتبارها بواسطة العقل "فإن الموجودات إنما تدل على الصانع بمعرفة صنعتها ، وأنه كلما كانت المعرفة بصنعتها أتم ما كانت المعرفة بالصانع أتم"() .


وبهذا المعنى سوف تصبح الفلسفة الإسلامية عبارة عن أسلوب فى البحث أو منهج فى الاستدلال ، أكثر من كونها بناء مذهبيًا يحتوى على عدد من النظريات .


فإذا رجعنا إلى الشرع ، وجدناه – كما يقول ابن رشد – قد دعا إلى اعتبار الموجودات بالعقل ، وتطلب معرفتها به ، وذلك تبين فى أكثر من آية من كتاب الله ، تبارك وتعالى ، مثل قوله تعالى :   وهذا ) فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ( () وهذا نص على وجوب استعمال القياس العقلى ، أو العقلى والشرعى معًا .


ومثل قوله تعالى : ) أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ ( () وهذا نص بالحث على النظر فى جميع الموجودات ..


وقال تعالى : ) أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ، وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ ( ()وقال : ) وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ( () إلى غير ذلك من الآيات التى لا تحصى كثرة() .


ومن هذا الآيات وغيرها يستخرج ابن رشد الاستدلال الآتى :
-
إذا تقرر أن الشرع أوجب النظر بالعقل فى الموجودات واعتبارها.
-
وكان الاعتبار ليس شيئًا أكثر من (استنباط المجهول من العلوم، واستخراجه منه) وهذا هو القياس .
فواجب أن نجعل نظرنا فى الموجودات بالقياس العقلى() .


وإذا جاز لنا أن نتوقف هنا قليلاً لنناقش تلك الفكرة ، فإننا نقول : أن حصر مصطلح الاعتبار (أو النظر) القرآنى فى القياس العقلى وحده فيه تضييق شديد . فالنظر والاعتبار الوارد ذكرهما كثيرًا فى القرآن الكريم أوسع بكثير من ذلك النسق المنطقى المتمثل فى القياس العقلى وحده : فبعض هذا النظر حسى ، يقترب من الواقع ويكاد يلمسه ، وبعضه ذوقى ينفعل بالواقع ، ويعيش من خلاله تجربته لدينية ، بل إن بعضه يأخذ شكل الحوار مع شخص آخر() ، ولا شك فى أن طرق التصديق متعددة ، وأساليب الإيمان متفاوتة ، لذلك فإننا نرى أن منهج القياس العقلى يصلح تمامًا أن يكون طريقًا من طرق الاعتبار ، ولكنه بالتأكيد ليس هو الطريق الوحيد .


ومهما يكن من شىء ، فإن ابن رشد يمضى حاسمًا فى استنتاجاته ، فيقول : "إذا كان الشرع قد حث على معرفة الله ، تعالى، وسائر موجوداته بالبرهان – وكان من الأفضل ، أو الأمر الضرورى، لمن أراد أن يعلم الله ، تبارك وتعالى ، وسائر الموجودات بالبرهان ، أن يتقدم أولاً فيعلم أنواع البراهين وشروطها، وبماذا يخالف القياس البرهانى الجدلى ، والقياس الخطابى ، والقياس المغالطى – وكان لا يمكن ذلك دون أن يتقدم فيعرف قبل ذلك : ما هو القياس المطلق ؟ وكم أنواعه ؟ وما منها قياس ، وما منها ليس بقياس – وذلك لا يمكن أيضًا إلا ويتقدم فيعرف قبل ذلك أجزاء القياس التى منها تركبت ، أعنى : المقدمات وأنواعها"() .


ومعنى هذا أن الشخص الذى يمتثل لأمر الله تعالى بالنظر والاعتبار فى مخلوقاته ، ينبغى عليه – تبعًا لاستدلال ابن رشد – أن يبدأ بدراسة "علم المنطق" الأرسطى !! وقد أدرك ابن رشد بالفعل خطورة مثل هذا الاعتراض ، فأسرع بإيراده ، والرد عليه :


"
وليس لقائل أن يقول : إن هذا النوع من النظر فى القياس العقلى بدعة ، إذ لم يكن فى الصدر الأول ، فإن النظر أيضًا فى القياس الفقهى وأنواعه هو شىء استنبط بعد الصدر الأول ، وليس يرى أنه بدعة"() .


وهكذا يقيم ابن رشد مشابهة بين القياس العقلى والقياس الفقهى باعتبار أن كلاً منهما آلة ضرورية لاكتساب المجهول من المعلوم : "فإنه كما أن الفقيه يستنبط من الأمر بالتفقه فى الأحكام وجوب معرفة المقاييس (أنواع القياس) الفقه8ية على أنواعها ، وما منها قياس ، وما منها ليس بقياس – كذلك يجب على العارف (يقصد الفيلسوف) أن يستنبط من الأمر بالنظر فى الموجودات وجوب معرفة القياس العقلى وأنواعه .. بل هو أخرى بذلك"() .


وبعد أن يقرر ابن رشد أن الشرع يوجب النظر فى "القياس العقلى وأنواعه" يدعو إلى تلمس معرفته عند الحاذقين فيه ، وهم الفلاسفة القدماء ، حتى وإن كانوا على غير ملة الإسلام : "وإن كان غيرنا قد فحص عن ذلك ، فبين أنه يجب علينا أن نستعين على ما نحن بسبيله – بما قاله من تقدمنا فى ذلك .


وسواء كان ذلك الغير مشاركًا لنا أو غير مشارك فى الملة ، فإن الآلة التى يصح بها التزكية ، لا يعتبر فى صحة التزكية بها كونها آلة لمشارك لنا فى الملة ، أو غير مشارك ، إذا كانت فيها شروط الصحة ، وأعنى بغير المشارك : من نظر فى هذه الأشياء من القدماء قبل ملة الإسلام"() .


وبالطبع ، يقصد ابن رشد العمل الكبير الذى قام به أرسطو وشارحوه فى مجال علم المنطق ، لكنه يصرح بأننا ينبغى ألا نتبع القدماء اتباعًا خالصًا بدون الفحص عما قالوه ، وذلك لمعرفة الحق منه والتمسك به ، والوقوف على الزائف فيه واجتنابه ، يقول ابن رشد : "يجب علينا إن ألفينا لمن تقدم من الأمم السالفة نظرًا فى الموجودات ، واعتبارًا لها ، بحسب ما اقتضته شرائط البرهان ، أن ننظر فى الذى قالوه من ذلك ، وما أثبتوه فى كتبهم :


فما كان منها موافقًا للحق قبلناه منهم ، وسررنا به ، وشكرناهم عليه .


وما كان منها غير موافق نبهنا عليه ، وحذرنا منه ، وعذرناهم"() .


ويشير ابن رشد إلى أن الدين والفلسفة بلتقيان فى هدفهما البعيد، وهو اعتبار الموجودات للتيقن من وجود الصانع ، بل أنه يصف بالجهل والبعد عن الله أولئك الذين يصدون المؤمنين القادرين على البحث الفلسفى عن ممارسته ، والاشتغال به ، يقول : "فقد تبين من هذا أن النظر فى كتب القدماء واجب بالشرع ، إذ كان مغزاهم فى كتبهم ومقصدهم هو المقصد الذى حثنا الشرع عليه ، وأن من نهى عن النظر من كان أهلاً للنظر فيها (وهو الذى جمع أمرين : أحدهما ذكاء الفطرة ، والثانى العدالة الشرعية والفضيلة العملية والخلقية) فقد صد الناس عن الباب الذى دعا الشرع منه الناس إلى معرفة الله ، وهو باب النظر المؤدى إلى معرفته حق المعرفة ، وذلك غاية الجهل ، والبعد عن الله"() .


أما الادعاء بأن الفلسفة قد تجلب الضرر على بعض العقول ، ولذلك ينبغى أن تمنعها عن الجميع ، فهو ادعاء لا يستند إلى أساس صحيح ، "فليس يلزم من أنه إن غوى بالنظر فيها . وزل زال .


-
إما من قبل نقص فطرته .
-
وإما من قبل سوء ترتيب نظرة فيها .
-
أو من قبل غلبة شهواته عليه .
-
أو أنه لم يجد معلمًا يرشده إلى فهم م فيها .
-
أو من قبل اجتماع هذه الأسباب فيه ، أو أكثر من احد .
-
أن تنعها عن المدى هو أهل للنظر فيها .


بل نقول : إن مثل من منع النظر فى كتب الحكمة من هو أهل لها ، من أجل أن قومًا من أراذل الناس قد يظن بهم أن ضلوا من قبل نظرهم فيها ، مثل من منع العطشان شرب الماء البارد العذب حتى مات من العطش ، لأن قومًا شرقوا به فماتوا .. فإن الموت عن الماء بالشرق أمر عارض ، وعن العطش أمر ذاتى وضرورى"() .


ولا شك أن ما عرض لابن رشد فى القرن السادس الهجرى من هجوم معاصريه على الاشتغال بالفلسفة يشبه إلى حد كبير ما يعرض للمشتغلين بالفلسفة ، وبالفكر عمومًا ، فى عصرنا الحاضر ، فما زال التصور الشعبى فى العالم العربى والإسلامى ينظر إلى الفلسفة على أنها لون من الترف العقلى ، أو المماحكات العديمة الفائدة ، وتصبح الخطورة أكبر عندما يضغط هذا التصور الشعبى الساذج على المثقفين أنفسهم ، ويسرى فى كتاباتهم ، فيصفون من يحاول الإتيان بفكرة جديدة ، أو من يناقش فكرة قديمة مستقرة بأنه "يتفلسف" ويقصدون بذلك أنه يهذى ويثرثر .


لكن ابن رشد يرد – فى واقعية شديدةبأن الضرر المحتمل من الاشتغال بالفلسفة لا يختلف عن الضرر الناشئ عن الاشتغال بعلم الفقه يقول : "وهذا الذى عرض لهذه الصناعة (يقصد الفلسفة) هو شئ عارض لسائر الصنائع . فكم من فقيه كان الفقه سببًا لقلة ورعه ، وخوضه فى الدنيا ، بل أكثر الفقهاء هكذا نجدهم ، وصناعتهم إنما تقضى بالذات الفصيلة العملية .. فإذا لا يبعد أن يعرض فى الصناعة التى تقتضى الفضيلة العلمية ما عرض فى الصناعة التى تقتضى الفضيلة العملية"() .


وينبغى ألا تندهش كثيرًامن حرص ابن رشد المستمر على تقديم أنواع الشبه المتعددة بين الفلسفة والفقه ، وفى رأينا أنه يريد أن يقول لفقهاء عصره : إنكم واقعون فيما تنهون عنه ! ويقول   للجمهور : هنا موقفات متماثلان تمامًا ، فلماذا تقبلون واحدًا وترفضون الآخر ؟! وأخيرًا فإن ابن رشد نفسه كان فقهيًا ، ومن أسرة فقهاء ، ومثله كان على دراية كافية بأحوال الفقهاء فى عصره ، وهم الذين كانوا بالدرجة الأولى يهاجمون المشتغلين بالفلسفة .


وإذا كانت الشريعة الإسلامية بصفة خاصة تدعو الناس جميعًا إلى معرفة الله – التى هى السعادة الحقيقية – فإنهم ملزمون بطلب هذه المعرفة لكننا نعلم ، من ناحية أخرى ، أن الناس متفاوتون فى مستوياتهم الإدراكية . يقول ابن رشد : "إن طباع الناس متفاضلة فى التصديق ، فمنهم من يصدق بالبرهان ، ومنهم من يصدق بالأقاويل الجدلية .. ومنهم من يصدق بالأقاويل الخطابية"() ويرى ابن رشد أن من مزايا الشريعة الإسلامية أنها احتوت على هذه المناهج الثلاثة التى تشمل الناس جميعًا "ولذلك خص ، عليه الصلاة والسلام ، بالبعض إلى الأحمر والأسود ، أعنى لتضمن شريعته طرق الدعاء إلى الله تعالى ، وذلك صريح فى قوله تعالى : ) ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ( () .


واعتمادًا على هذه الآية نفسها ، يؤكد ابن رشد أن هناك ثلاثة مناهج لمعرفة الله تعالى : المنهج البرهانى ، والمنهج الخطابى ، والمنهج الجلى ، أما المنهج البرهانى ، فهو أكثرها وثاقة ، ولكنه فى الوقت نفسه أكثرها صعوبة ، لذلك فقد اختص به الفلاسفة ، وأما المنهج الخطابى فهو لعامة الناس ، والمنهج الجدلى لأصحاب النظر الذين يتميزون قليلاً عن العامة ، ولكنهم لا يرتقون إلى مستوى الفلاسفة .


ومن الجدير بالذكر هنا أن ابن رشد يقر أن كل منهج من المناهج الثلاثة السابقة يرضى أصحابه ، ويصل بهم إلى التصديق المطلوب .. لذلك فهو يحذر من "خلط المناهج" مع طبقات الناس الثلاث . فمثلاً ينبغى ألا يقدم للجمهور الذى يقنع بالمهج الخطابى عناصر من المنهج الجدلى (ويلاحظ أن هذا الخطأ هو الذى وقعت فيه الفرق المتناحرة كالمعتزلة والأشاعرة . كما وقع فيه الغزالى ت 5.5هـ ، وإن كان قد ذهب فى النهاية : إلى الجام العوام عن علم الكلام"() بل إن ابن رشد يصف من يخلط المناهج لطبقات الناس بالإفساد والكفر ، "وهذه فى حال من يصرح بالتأويل (وهو عنده خاص بمنهج الفلاسفة) للجمهور ، ولمن ليس هو بأهل له مع الشرع. ولذلك هو مفسد له وصاد عنه ، والصاد عن الشرع كافر"() .


ويؤكد ابن رشد على أن البرهان ، الذى هو منهج الفلاسفة أو الحكما .. لا يختلف فى شئ مع ما ورد به الشرع ، لأن كلاً من البرهان والشريعة حق ، والحق لا يضاد الحق . يقول : "وإذا كانت هذه الشريعة حقًا ، وداعية إلى النظر المؤدى إلى معرفة الحق ،   فإنا – معشر المسلمين – نعلم ، على القطع ، أنه لا يؤدى النظر البرهانى إلى مخالفة ما ورد به الشرع ، فإن الحق لا يضاد الحق ، بل يوافقه ويشهد له"() .


ومن الواضع أن هذا الحكم الذى يؤكده ابن رشد من توافق المنهج البرهانى مع ما جاء به الشرع ، هو الذى أداه إلى ضرورة تأويل نصوص الشريعة إذا تعارض ظاهرها مع أحكام البرهان . أما المدخل إلى تلك القضية فيمضى لديه على النحو التالى :


إذا أدى النظر البرهانى إلى نحو من المعرفة بوجود ما ، فلا يخلو ذلك الوجود أن يكون :


أ-قد سكت عنه الشرع .
ب-أو عرف به .
فإذا كان قد سكت عنه .. فلا تعارض هنالك (وهو بمنزلة ما سكت عنه من الأحكام ، فاستنبطها الفقيه بالقياس الشرعى) .


وإن كانت الشريعة نطقت به ، فلا يخلو ظاهر النطق أن    يكون :
أ-موافقًا لما أدى إليه البرهان فيه .
ب-أو مخالفًا .
فإذا كان موافقًا ، فلا قول هنالك .
وإن كان مخالفًا طلب هنالك تأويله() .


ويحدد ابن رشد مفهوم التأويل بأنه : إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقة إلى الدلالة المجازية ، من غير أن يخل ذلك بعادة لسان العرب فى التجوز ، من تسميه الشئ بشبيهه ، أو بسببه ، أو لاحقه ، أو مقارنه ، أو غير ذلك من الأشياء التى عددت فى تعريف أصناف الكلام المجازى() .


وكعادة ابن رشد فى تشبيه عمل الفيلسوف بعمل الفقيه ،   يقول : "وإذا كان الفقيه يفعل هذا فى كثير من الأحكام الشرعية ، فكم بالحرى أن يفعل ذلك صاحب العلم بالبرهان ، فإن الفقيه إنما عنده قياس ظنى ، والعارف (= الفيلسوف) عنده قياس يقينى"() .


ويذهب ابن رشد إلى أنه ما من وضع فى الشريعة جاء ظاهره مخالفًا لأحكام القياس البرهانى ، إلا وهو يقبل الـتأويل تبعًا لأحكام الدلالة فى اللغة العربية . ونحن نلفت النظر فى نصه التالى إلى لهجته التأكيدية الصارمة . يقول :


"
ونحن نقطع قطعًا أن كل ما أدى إليه البرهان ، وخالفه ظاهر الشرع ، أن ذلك الظاهر يقبل التأويل على قانون التأويل العربى ، وهذه القضية لا يشك فيها مسلم ، ولا يرتاب بها مؤمن ، وما أعظم ازدياد اليقين بها عند من زاول هذا المعنى وجربه ، وقصد هذا المقصد من الجمع بين المعقول والمنقول"() .


أما السبب فى ورود الشرع محتويًا على الظاهر والباطن ، فهو – كما يؤكد ابن رشد – اختلاف نظر الناس ، وتباين قرائحهم فى التصديق . والسبب فى ورود الظواهر المتعارضة فيه ، هو تنبيه الراسخين فى العلم على التأويل الجامع بينها .. وإلى هذا المعنى وردت الإشارة فى قوله تعالى : )هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ( () .


وهكذا نخلص إلى أن ابن رشد يقرر أن الشريعة تحتوى على ظاهر وباطن ، وأن الناس ازاحا ثلاثة أصناف :


-
من لا يرضيهم إلا منهج البرهان ، وهم الحكماء أو الفلاسفة .
-
من يقنعون بالموعظة الحسنة والإرشاد الخطابى وهم العامة .
-
من يفضلون طريق الجدل ، وهم المتوسطون بيم هؤلاء   وأولئك .


ومن مزايا الشريعة الإسلامية أنها اشتملت على هذه المناهج الثلاثة مراعية بذلك مستويات الناس السابقة .


وأخيرًا ، فإن العلاقة بين الحكمة والشريعة ، أو بين الفلسفة والدين – على الرغم من قوتها ووضوحها ، كما يرى ابن رشد ، قد عرض لها من الأحداث ما أفسدها ، والسبب فى ذلك أن بعض المنتسبين إلى الحكمة – تمامًا مثل بعض المنتسبين إلى الشريعة – هم الذين أساءوا فهمها ، ففصلوا بين الإثنين مع أن "الحكمة هى صاحبة الشريعة ، والأخت الرضيعة .. وهما المصطحبتان بالطبع ، والمتحابتان بالجوهر والغريزة"() .


وفى نص مفعم بالأسى ، يعبر ابن رشد عن أثر هذه الحالة عليه، فيقول : "إن النفس مما يتخلل هذه الشريعة ، من الأهواء الفاسدة ، والاعتقادات المحرفة ، فى غاية الحزن والتألم ، وبخاصة ما عرض لها من ذلك من قبل من ينسب نفسه إلى الحكمة ، فإن الأذية من الصديق هى أشد أذية من العدو .. وقد آذاها أيضًا كثير من الأصدقاء الجهال ، ممن ينسبون أنفسهم إليها ، وهى الفرق الموجودة فيها"() .

 


ج-نتيجة المقارنة :


يلاحظ أننا – طول العرض السابق – لم نخرج عن إطار الموضوع الذى حددناه لهذا البحث ، وهو قضية العلاقة بين الشريعة والفلسفة ، أو بين النقل والعقل لدى كل من ابن تومرت وابن رشد ، وهى مقارنة نعتبرها مشروعة فى الدراسات الفلسفية الحديثة ، على الرغم من تعارض فكرة كل منهما مع فكرة الآخر ، فإن هذا التعارض – فى حد ذاته – يبين التنوع فى وجهات النظر المختلفة لدى كبار مفكرى الإسلام ، كما أنه يكشف عن مدى ما تمتعوا به من استقلال فكرى يدعو للإعجاب . وربما كانت هذه "الحالة" التى نتناولها أبرز مثال على ذلك : فابن رشد يكتب رأيه فى ظل دولة الموحدين التى أنشأها ابن تومرت نفسه فى الوقت الذى يختلف معه حول تلك القضية التى تعتبر من أهم القضايا فى مذهب كل منهما .


ابن تومرت يسعى إلى الحفاظ على الشريعة من تدخلات العقل الإنسانى الذى يحتوى على تناقضات كثيرة . لذلك فهو حريص على أن يحدد الدور الذى يلعبه هذا العقل ، سواء فى مرحلة تلقى الشريعة والتصديق بها ، أو فى مرحة الاجتهاد فيما سكتت عنه .


أما ابن رشد فهو يرى أن للعقل الإنسانى مستويات متدرجة ، وأن أعلى هذه المستويات هى التى تتوافق مع ما جاءت به الشريعة ، لذلك فلا ضير على الإطلاق من استخدام منهج القياس البرهانى للتدليل على صحة الشريعة ، وكذلك للاستنباط فيما دعت إلى استنباطه .


لدى ابن تومرت ، لا يوجد أدنى اصطدام بين ما يقرره الشرع، وما ذهب إليه العقل ، لأن القضية منذ البداية محسومة ، فالشرع كيان قائم بذاته ، وهو أيضا مكتمل ، أى فى غير حاجة إلى دعم العقل أو مساندته .


أما ابن رشد فإن إمكانية مثل هذا الصدام – لديه قائمة ، لكن من الضرورى سرعة التخلص منه ، وذلك عن طريق استخدام منهج آخر ، هو منهج التأويل ، الذى يؤكد أنه يتمشى تمامًا مع قوانين اللغة العربية ذاتها ، وهى اللغة التى نزل بها القرآن الكريم نفسه .


وابن تومرت يتحدث إلى المسلمين جميعًا ، دون أن يميز فيهم بين فئة يميلون إلى النظر العقلى ، أو من يقنعون بالاستجابة الوجدانية ، أو من يتوسطون بين هؤلاء وأولئك ، ولا شك فى أنه يسعى إلى جذب الناس جميعًا إلى مذهبه ، الذى جعل اسم "التوحيد" شعارًا له ، ومن هنا كان تركيزه على مبادئ الشريعة ، وهى إما أمر أو نهى إلهيان أو نبويان . وتحت هذين الطرفين يمكن أن يجتمع الناس – أو بالأحرى : الجماهير – بدون مذاهب أو اتجاهات أو حتى نزعات فردية .


لكن ابن رشد يأتى ، وقد استقرت دولة الموحدين ، وانتهت موجة الحماسة الأولى لها ، وأصبح أمامها أن تقدم الأاسى العقلى (أو المنطقى) لاتجاهها ، (أو فلنقل : لفلسفتها) ، ومن ثم فقد رفع من شأن العقل إلى الحد الذى جعل أحكامه البرهانية ترقى إلى مستوى اليقين الكامل ، كما أنه لم يعدمثل زعيم الدولة الأول – حرصًا على أن يلتف "جميع" الناس تحت راية واحدة . فقد أعاد لمستويات الناس العقلية حدودها الواضحة . فالناس لديه واحد من ثلاثة : متأمل متعمق ، أو مجادل متوسط ، أو عامى يقنعه الدليل الخطابى ، ولكل من هؤلاء الثالثة منهج ينبغى أن يقتصر عليه ، دون أن نثقله بصعوبة المنهج الأعلى منه .


غير أننا نظلم ابن رشد إذا قلنا : إن إعلاءه من قيمة الأدلة العقلية (البرهانية) يقلل من شأن الشريعة فى شئ ، بل على العكس ، إن ما يسعى إليه ابن رشد واضح كل الوضوح ، وهو أن يثبت للناس أن الشريعة الإسلامية هى فى المقام الأول شريعة العقل ، وأنه كلما أحسن الإنسان استخدام عقله (باتباع الطرق المنطقية المحددة) استوعب على نحو أكثر اكتمالاً مبادئ هذه الشريعة ، وتمثل غاياتها ، أليس هو القائل : "إن الموجودات إنما تدل على الصانع (الله تعالى) بمعرفة صنعتها ، وأنه كلما كانت المعرفة بصنعتها أتم كانت المعرفة بالصانع أتم"() .


ويمكن التساؤل : هل استطاع ابن تومرت أن يلغى دور العقل تمامًا ؟ ونحن من خلال العرض السابق نجيب بالنفى . فقد اضطر فى مرحلة ما إلى أن يعترف بالضرورة العقلية "وهى المبادئ الأولية التى لا يتطرق إليها الشك ، ولا يمكن للعاقل دفعها"() وأحد أقسام هذه الضرورة (وهو الواجب) هو الذى يؤدى بالإنسان إلى معرفة الله "فيثبت بهذا أن البارى ، سبحانه ، يعلم بضرورة العقل"() .


ونقطة أخرى ، تتمثل فى ضرورة الالتفات إلى ذلك البناء "المنطقى" المدهش الذى قدم به ابن تومرت مذهبه : أليس هذا البناء بناء عقليًا بالدرجة الأولى ؟! وحسبنا هنا أن نعيد النظر فى أدلته الأربعة على استقلال الشريعة عن العقل ، وأصول الشريعة العشرة ، وفروعها الخمسة ، ثم بصفة خاصة شروط العبادة العشرة التى يترتب كل واحد منها على الآخر ترتيبًا عقليًا خالصًا .


ونستطيع أن نقرر باطمئنان أن ابن تومرت قد أفاد – إلى أبعد حد ممكن من المنطق الأرسطى سواء فى مبحث الحد ، أو مبحث القياس ، كما أنه استطاع أن يهضم جيدًا كلا من الغزالى وابن حزم ، بحيث لم يدع أيا منهما يطغى على شخصيته المستقلة _وهذا مجال بحث مستقل) .


لكننا ينبغى أن نأخذ عليه هجومه الشديد على العقل ، فى الوقت الذى استفاج فيه من مناهجه المختلفة . ونقصد بمناهج العقل المختلفة هنا أن ابن تومرت قد جمع فى كتاباته بين الأدلة البرهانية ، والأدلة الجدلية ، والأدلة الخطابية التى سوف نجدها محددة لدى ابن رشد فيما بعد .


أما ابن رشد ، فقد كان صريحًا فى موقفه : وهو الإعلاء من شأن العقل ، وإيجاد الصلة بين قوانينه البرهانية وبين أحكام الشريعة، وهو يقدم فكرته مدعومة بالشواهد ، وموضحة بالأمثلة ، بل إنه لا يكتفى بعرضها عرضًا نظريًا خالصًا . وإنما يقوم – فى كتاب آخر بعنوان "مناهج الأدلة فى عقائد الملة" بتطبيقها على مختلف مسائل علم الكلام ، مثبتًا فيه أن معظم ما اختلف فيه علماء الكلام المسلمون (الأشاعرة –المعتزلة – الماتريدية) يرجع إما إلى عدم تحديد المشكلات تحديدًا دقيقًا ، وإما إلى اعتمادهم الأساسى على المنهج الجدلى ، الذى لا يفيد يقينًا .. وفى ختام كل مسألة ، ينبههم ابن رشد إلى أنهم لو استخدموا المنهج البرهانى لانحلت المشكلة بسهولة . ولوجدوا – فى الوقت نفسه – أن هذا المنهج يتمشى تمامًا مع نهج الشريعة .


وإذا كان لنا من كلمة أخيرة فى نتيجة هذه المقارنة ، فإننا نقول : إن فكرة ابن تومرت التى نراها – الآن – أقل صمودًا للنقد ، كانت فى عصرها طاغية ومتغلبة ، والدليل على ذلك أنها حركت الناس ، وحطمت دولة ، وأقامت أخرى ، أما فكرة ابن رشد ، والتى لم يستقبلها معاصروه بنفس الحماسةبل على العكس قابلوها بالعداء السافر – قد استطاعت أن تصمد ، وأن تبقى حتى عصرنا الحاض . وهذا يؤكد من جديد أن الأفكار – كالبشر – تموت وتحيا ، وأنها – كالبشر أيضًا – قد تمتهن فى عصر ، ولكنها فى عصر آخر تكون جديرة بالتكريم .


*   *












آخر تحديث الجمعة, 13 ديسمبر 2019 13:21