عداد الزائرين

mod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_counter

إضافات حديثة

   
 
قصـص شعريــــــــة صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك
كتبها Administrator   
الأربعاء, 04 مارس 2015 20:17

قصـص شعريــــــــة



 


الدكتور حامد طــــاهر

 

 

 

المحتوي

تقديم..

نخلة الوفا

الشيخ ونصيحته

البريء

مأساة ما قبل الرحيل

حب رومانسي

الحيوان الذى يشبه الشيطان

الصديق الضاحك

قطرات الندى

الحب الاول

وجبة للجميع

حدث فى حديقة الحيوان

احلام على النيل

البقال والسوبرماركت

مشروع سرقة

ما لا يقال

الموظف المعارض

أربعة فى نفس الحفرة

تعايش ضرتين

الكلب الهارب من صاحبه

تصبحين علي خير

السيناريو الذي حوله

القرية النائية

سنوات الحكومة

فى انتظار الآتي

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

تقديم

يسعدنى أن أقدم لقراء العربية عموما ، وللأدباء الشبان على نحو خاص ، جنسًا أدبيا جديدًا ، يتمثل فى مجموعة من النماذج ، التى يمكن أن نطلق عليها مصطلح (قصص شعرية) . وكل منها عبارة عن قصة قصيرة ، وهى فى الوقت نفسه ، مشحونه بروح الشعر ، ومعتمدة على بعض تقنياته ، لذلك فإنها تكتب على غرار (الشعر الحر) لكنها لا تلتزم الوزن ، وقد تبدو أنها قريبة من (قصيدة النثر) لكنها ليست شعرًا خالصًا ، وإنما هى مزيج متفاوت ومتكامل من القصة والشعر معا .

وقد كنت منذ بدأت كتابه الشعر – فى أواخر الخمسينيات من القرن الماضى – أكتب قصائدى ، وهى متضمنة قصة أو حكاية بسيطة ، وكانت هذه الميزة تعطى للقصيدة لدىّ نوعًا من التماسك العضوى الذى يبعدها عن الغنائية المنفلتة ، التى تتناثر فيها أبيات القصيدة بحيث تبدو بدون حبكة أو نهاية. لهذا عندما ألحت علىّ (فكرة القصة الشعرية) لم تكن إلا استمرارًا لأسلوب سبق أن اتبعته، ومواصلة لطريقة خاصة تطورت معى على مدى زمن طويل ..

(القصة الشعرية) تتطلب توافر موهبتين تتضافران معا : موهبة القصة وموهبة الشعر. حتى لا يتصور أحد أن الأمر سهل ، يمكن أن يخوضه شاعر فقط ، أو قصاص فقط ، لكن الباب يظل مفتوحا لابداعات لا نهاية لها أمام الشاعر الذى يمتلك موهبة القصة، والقصاص الذى يمتلك موهبة الشعر .

إننى أقدم هذه التجربة الجديدة فى أخريات عمرى ، وعلى أمل أن يلتقطها البعض من جيل الشباب الأدباء ، ممن لديهم (رسالة انسانية) ويريدون أن يوصلوها للمجتمع ، من أجل الارتقاء به نحو الأفضل . ومن المؤكد أن هؤلاء أصبحوا يدركون – مثلى – أننا قد دخلنا عصر المعلومات الالكترونية ، والذى لم يعد يقبل فيه معظم الناس على قراءة المطولات المطبوعة ، ولا حتى مطالعة الصحف والمجلات الورقية ، وخاصة بعد أن انفتحت أمامهم سماوات الفضاء الالكترونى ، وعالم الانترنت الواسع الآفاق ..

وإلى القارئ التحية ،

يناير 2015 حامد طاهر

 

 

 

نخلة الوفا

 


 


فى قريتنا نخلة

تعود الناس أن يطلقوا عليها : نخلة الوفا

وهى طويلة جدا ومعمرة

ويقال : إن جد جدى هو الذى غرسها

وأن بلحها هو الأحلى على الإطلاق

كنا ونحن صغار نتسلقها لنأكل منه

حتى قبل أوان نضجه

لكن الكبار كانوا ينهروننا ، ويقولون :

- لماذا تستعجلون ؟!

----

توجد هذه النخلة

فى موقع وسط تماما بين حقلين

لأخوين متنازعين

وذات يوم قررا أن يشقاها نصفين

ويأخذ كل منهما نصيبه من أخشابها

لكن حكيما فى القرية

عرض أن يشتريها منهما

وراح يجمع التبرعات من أهل القرية

ومن يومها ..

أصبحت النخلة ملكا مشاعا

بين أهل القرية كلهم

----

حكايات كثيرة تروى عن هذه النخلة

ويقال إنها شهدت العديد

من قصص الحب والتضحيات

تحتها .. كان يلتقى العشاق فى بداية حبهم

ثم بعد أن يتزوجوا، وينجبوا ..

يأتون إليها لاستعادة ذكرياتهم !

وكان بعض الأحباب يقسم تحتها

أن يظل مخلصا لحبيبته

حتى لو تزوجت من غيره

لهذا أطلقوا عليها : نخلة الوفا !

وهناك حكاية حزينة

لشاب رياضى ، مفتول العضلات

صعد ذات يوم الى أعلاها

وفجأة هبت ريح عاصفة

هزته بشدة ،

فسقط على الارض جثة هامدة !

-----

أصبحت النخلة من معالم القرية

بل أبرز معلم فيها

وحين زحفت البيوت على الحقول وأحاطت بها

صار الناس يشيرون الى بيوتهم

بأنها التى تقع شرق النخلة أو غربها

---=

منذ عدة سنوات ..

لم تعد الخلة تطرح بلحا

وقيل إنها شاخت ، وفى طريقها للموت..

لكن الكثير من أهل القرية

وخاصة الأطفال ،

لم يصدقوا شيئا من ذلك

إنهم يعتبرونها تماما مثل أم لهم

باستثناء واحد ..

أنها لا تحكى لهم حكايات ما قبل النوم !

----

لا يدرك أحد طول النخلة الحقيقى

إلا إذا جلس تحتها ،

وراح ينظر إلى أعلاها ..

فهى عجوز .. لكنها صلبة ومتماسكة

وجذعها المليء بالتجاعيد

لم ينحن أبدا رغم هبوب الريح ، ومرور الزمن ..

لكن غرابا وزوجته اختارا عشهما فى أعلاها

وكثيرًا ما يحلو لهما

أن يراقبا الجالسين تحتها

ثم يهبطا بعد انصرافهم ،

ليلتقطا ما خلفوه من بقايا طعامهم

منذ أيام ..

زارنى أحد أقاربي من القرية

وكالعادة رحت أسأله عن أحوال الأهل والأصحاب

وبالطبع سألته عن النخلة ؟

فوجئت بأن الحكومة قررت إزالتها

لأنها تعترض طريق السكة الحديد المقترح ..

كان الرجل فرحا للغاية ،

نظرا لمرور القطار على القرية

أما أنا .. فقد غمرنى حزن عميق ..

عميق جدا ..

لأننى كنت واحدا ممن اقسموا تحت الشجرة ،

بان يظلوا أوفياء لحبيباتهم ..

حتى ولو تزوجن من آخرين !

****

 

 


الشيخ ونصيحته

 

 


كان الشيخ جالسا فى المسجد

مستندا على أحد أعمدته الرخامية

وبيده مسبحة طويلة ، حباتُها من خشب الصندل

أما لحيته الممشوطة جيدا فكانت فى بياض الثلج

وحول وجهه استدارت هالة من ضوء القمر

اقتربتُ منه بهدوء

وسلمتُ عليه مقبلا يده اليمنى

ربتَ على كتفى بيده اليسرى

وأشار إلى أن أجلس فى مواجهته

كانت فرصة نادرة ..

أن أجده وحده بدون مريديه الذين يحيطون به

وكذلك بدون أصحاب الحاجات ،

الذين يزدحمون دائما حوله

نظر إلى بعيون مستديرة ولامعة

نظرة كلها عطف وشفقهْ

وأشار إلى أن أجلس فى مواجهته

كان يعنى ذلك أنه يسمح لى بالكلام

أسرعت قائلا :

- أنا مرهق جدا يا مولانا !

انتظر حتى اشرح

قلت :

- لقد تتابعت علىّ المصائب ، وانسدتْ كلُّ الطرق

ولم أعد أُطيق رؤية الناس

تصوّرْ يا مولانا أنني كثيرًا ما أتسلل

إلى أحد الكهوف بجبل المقطم

وأجلس فيه الساعات الطوال ..

وأقسم إننى أشعر هناك ببعض الراحة

لكننى حين أنزل إلى المدينة ، وأستقر فى بيتى

يعود كل شيء إلى ما كان عليه !

----

أنصت الشيخ إلى كل ما قلته بألفاظى المتعثرهْ

لاحظتُ أنه لم يفاجأ

لكنه ظل صامتا لفترة طويلهْ

ثم أمسك بيدى ، وقال :

- مشكلتك يا بنى ليست صعبهْ

أسرعت مقاطعا :

- كيف يا مولانا ، وقد كدت أقدم على الانتحار !

انتفض غاضبا ، وقال :

- حاشا لله .. لا تلفظ هذه الكلمة أبدا

واستعذ بالله منها ..

أطرقت فى الأرض مستغفرا

وبعد أن عاد إلى هدوئه ، قال :

- أنصت إلى جيدا يا بنى

إن ما يمر بك هو مجرد ابتلاء

هل تعرف معنى الابتلاء ؟

إنه الامتحان الإلهى الذى يفرز بعض البشر من بعض

ومنه يعلم مستوى انسانيتهم ومقدار تحملهم

ثم يكافئهم على ذلك :

إن لم يكن فى هذه الدنيا الفانيهْ ،

ففى الآخرهْ .

----

وجدتنى وهو يذكر كلمة (الآخرة)

أُشرف على فضاء شاسع

تتحرك فيه كائنات لم أشهد مثلها من قبل

وظل الشيخ يتحدث ، وأنا سارح فى ملكوت آخر

ورحت أرى فى العمود الرخامى الذى يستند عليه

طيورًا خضراء ، وزرقاء ، وصفراء ..

تتماوج صعودا وهبوطا فى الهواء

حتى أن بعضها كان يحط على كتفى !

وتعجبت كثيرًا من اطمئنانها إلىّْ ، وأُنسها بى

وتمنيُت أن أظل معها طوال الوقت ..

ترك الشيخ يدى ، فانتبهت

سمعته يقول لى :

- اتفقنا يا بنىّ

افعل ما أوصيتك به

وقم على بركة الله ..

- بماذا أمرنى ؟

لا أعرف

_ وماذا كان حديثه الطويل لى ؟

لا أذكر

نهضت وأنا أحس بأن شيئا قد مسّ روحى

ورحت ألمس بيدي كل شيء أمر به

وانظر فى وجوه الناس ، فأراها تبتسم

وحاولت جاهدا أن أفكر فى المصائب التى وقعت لى

فلم أعد أجدها ثقيلة وضاغطة كما كانت !

----

بعد ثلاثة أيام

توجهت إلى المسجد لكى أشكر الشيخ

لم يكن هناك مسجد ، ولا شيخ ..

****

 

 


 


البرىء ..

 

 

 

دق جرس الباب ، ففتح

وجد شيخ الحارة

يسلمه إخطارًا بموعد المحاكمة

أسرع بالاتصال بأحد أصدقائه من المحامين

اندهش المحامى بشدة

عندما علم أنه لم يرتكب جناية ،

ولا حتى جنحة !

----

وفى المحكمة

كانت الإجراءات سريعة جدا

ورغم أن المحامى تحدث طويلا ..

فقد صدر الحكم بالسجن سبع سنوات

اقتادوه فى سيارة الترحيلات

وهو مذهول مما حدث

جلس بجوار مجرين محترفين

فى وجه كل منهم آثار جراح عميقة

سأله أحدهم :

- ما جريمتك ؟

- لم أفعل شيئا

- كل المدانين يقولون نفس الشيء !

صمت ، ولم يعقب .

فى السجن

لم يبد منه أى تذمر أو استياء

نفذ اللوائح بطاعة مطلقة

لذلك لم يتعرض للكثير من العقاب

الذى كان يقع على الآخرين

----

كانت الزيارات تأتى لكل زملائه

أما هو ، فلم يزره أحد :

لا من أقربائه ، ولا من أصدقائه

تقبل الأمر باستسلام كامل

وكان يعتقد أنه ارتكب عملاً لا يغتفر

بعد مرور عام ..

بدأت ملامح معارفه تتلاشى من ذاكرته

كما أنه لم يعد يفكر فى عمله السابق ،

ولا حتى فى الحياة التى كان يعيشها خارج السجن

أما أحلامه ..

فكان يظهر فيها من وقت لآخر

سيدنا يوسف ، عليه السلام

لم يكن يحدثه هو ..

وإنما كان يجلس وسط حلقه

وهو يعظ الناس فى ثياب بيضاء

ذات يوم ..

أراد أن يتخطاهم ليصافحه

وينال منه البركة

ويقول له – إذا سمحت الظروف -

- إن حالتى تشبه حالتك تماما ..

لكن الجالسين منعوه من الوصول إليه!

 

 

 

 

 

مأساة ما قبل الرحيل

 

 


احتفلت أسرته بعيد ميلاده الثمانين

كانت صحته قد بدأت تتدهور

وزادت قائمة أمراضه

فكثرت وتنوعت الأدويه ، والحقن ،

وزيارات الأطباء !

----

راح يفكر كثيرا فى النهاية

وتكررت أحلامه المتعلقة بالموت ،

ومشاهدة الأموات السابقين ..

وبدأ يلحظ نظرات الوارثين

كانت بعضها تستعجله بالفعل لكى يرحل

حتى يحصل أصحابها على نصيبهم الكبير ..

من التركة الضخمة !

----

كيف يترك كل ذلك

لمجموعة من الأبناء الفاشلين ؟

والبنات المتزوجات من أوغاد ؟

بالإضافة إلى بعض الأقارب السفلة

الذين لا يستحقون شيئا !

----

أما الذين خدموه بإخلاص

فكانوا جميعا من غير أبنائه وأقاربه

الواقع أن هؤلاء ..

هم الذين يستحقون

وفكر بالفعل فى تخصيص جزء لهم

حتى أنه استفسر من دار الافتاء

فقيل له : من حقك أن تخصص لهم ثلث التركة

حسنا ، لكن الثلثين الباقيين

يقتربان من سته ملايين

وهذا كثير على الورثة الأراذل !

----

راح يتذكر بصعوبة

المجهود المضاعف الذى عاناه

فى جمع هذه الثروة الضخمة ،

والتى سوف تصبح تركه بعد قليل ..

وكيف أنه تحمل ، وتألم ، وثابر ، وناور ..؟

كما اضطر أحيانا للكذب ، والخداع ، والتآمر ؟

وكان أحيانا يتساءل :

هل يمكن للذين فعل معهم ذلك

أن يتجاوزوا عنه ، ويسامحوه ؟!

----

اذن .. لابد من التوبة

لكن : كيف تكون ؟

هل يرد الحقوق المغصوبة لأصحابها ؟

أم يستدعيهم ، ويصارحهم ؟

أم يلجأ للدعاء ،

والحج إذا سمحت الصحة ؟

لكنه استبعد كل هذا

عندما جاءت ابنته الصغرى

وعدلته على الجانب الآخر

لتعطيه الحقنة !

****

 

 

 

حب رومانسى

 


 

 

كانت عائلتها تسكن فى منزل

تحيط به حديقة

وتعلقت بها منذ رأيتها

ورحت أتابعها وهى تروح وتجىء من المدرسة

كانت أجمل من كل صديقاتها

وكانت تقف لتوديعهن قبل أن تدخل

والضحكات تتناثر منهن

مثل المطر المتساقط من سحابه عابرة

----

اليوم الذى اكتشفت فيه شباك غرفتها

وهو يقع خلف أغصان شجرة توت

كان أسعد أيام حياتى

لأننى رحت أتابعها منه ..

وهى تقرأ فى كتاب ،

أو تنظر فى المرأة ،

أو تتحدث مع أمها ..

أو تمد يدها فتلمس بنعومة ..

أوراق شجرة التوت .

----

صرت مدمنا على الجلوس أمام منزلها

والتطلع الدائم إلى نافذتها .

لكنها حين انهت دراستها الثانوية

لم تواصل تعليمها فى الجامعة

ولم تعد تظهر فى النافذة كثيرًا

كما أنها كبرت ، ونضجت ،

وأصبحت شابة مكتملة الأنوثة ..

----

كنت أتلمس أخبارها من أصدقائى

الذين يعرفون عائلتها

وذات يوم حدث ما لابد من حدوثه

خطبة ، فشبكه ، فعرس ،

ثم رحيل مع زوجها إلى مدينة أخرى ..

كل ذلك .. دون أن تعرف أبدًا

أننى كنت أحبها !

----

مرت سنوات عديدة ،

وهى لا تفارقنى فى يقظة أو منام

وعندما قررت الزواج

ظننت أنى سوف أنساها

لكن هذا لم يحدث

فعلى الرغم من قدوم الأولاد

وشواغلهم ، ومشكلاتهم

ظلت هى عالقة بروحى

----

ثم فى ذات يوم

سمعت من أحد أصدقائى القدامى

أنها قد أصبحت أرملة

وأن لها إبنا ، يعالج فى مصحة

لا أدرى كيف اسرعت إلى هناك

ورحت أنتظر قدومها لزيارته

وجدتها ترتدى السواد

وتضع على عينها نضارة سوداء

كانت كما كانت رشيقة وجميلة

بل هى الأجمل من كل من عرفتهن

تقدمت إليها ، فاندهشت

ثم عرفتها بنفسى ،

مترددًا ، ومتلعثما ، وكأننى طفل صغير

قلت لها :

- أنا جارك فى الحى

وكنت متعلقا بك من كل قلبى

خلعت نظارتها ،

ونظرت إلى بعينين ذابلتين ، ومندهشتين

- ولماذا جئت الآن ؟

قلت لها

- عندما سمعت بحالة ابنك

ثم لكى أعزيك فى وفاة زوجك

وأشد على يديك ..

راحت الدموع تتساقط من عينيها

قدمت إليها منديلا لتمسحها

صتتنا طويلا

ولم نتكلم سوى بضع لكلمات قليلة

وقبل أن تنهض ، قلت لها :

- هل يمكننى أن أعاود الاتصال بك ؟

قالت ، وهى تمسح دموعها بمنديلى :

- من الأفضل ألا تفعل !

 

 

 

 

 

الحيوان الذى يشبه الشيطان

 


 

الحيوان – الشيطان

كنت أقرأ عنه فى القواميس

ولا أتبين ملامحه بواسطة القراءة

حتى شاهدته فى فيلم حى على التلفزيون

----

إنه مزيج من وجه الفأر ، وجسد الكلب

وهو أسود الشعر ، وعيناه حمراوان

أما فكّه فهو قوى للغاية

بإمكانه أن يحطم عظام أى حيوان

ويقرمشها كأنها فول سودانى

----

هو سريع جدا ، ومتوتر دائما

كما أنه لا يخشى الثعابين والعقارب

بل إنه يهاجمها ، ويلتهمها

دون أن تؤثر فيه سمومها

وحين يتجمع عدد منهم على فريسة أو جيفة ..

يتصارع بعضهم مع بعض

بصورة وحشية للغاية

فلا تنازل ولا تسامح على الإطلاق

بل صراخ وزمجرة ونهش ..

وخروج على أبسط قواعد روح الجماعة !

----

- هل ظلم الإنسان هذا الحيوان الشرس

حين سماه : الشيطان ؟

- كلا .. فهو يستحق ذلك بالفعل

لأنه شرير بالفطرة

ولا يوجد فى سلوكه أى ذرة من الخير

فهو يهاجم أى حيوان آخر ..

من الأمام ومن الخلف

ولا ينسحب إلا عندما يواجه وحشًا كاسرًا

ويلاحظ أن الانسحاب لديه

لا يعتبر هزيمة ..

لأنه ينطلق للاشتباك مع أى حيوان آخر

رغبة فى ابتلاع لحمه ، وقرمشة عظامه

----

هل الشيطان الحقيقى كذلك ،

أم أنه أكثر مكرا ، وأشد نعومة ؟

وهل يحصل على ما يريد بالعنف والقوة ،

أم بالحيلة ، وحسن التأتى ..

وتزيين الباطل ، وتشويه الحق ..

ولقد قيل عنه إنه يسرى من ابن آدم مسرى الدم..

أما هذا الحيوان فإنه يجاهر بالعداوة

ويحقق ما يريد لنفسه

بالقوة المفرطة !

****

 

 

 

 


الصديق الضاحك

 


كان صديقنا عامر

من أعز أصدقائنا فى الجامعة

وكان صعيديا ، يمتلئ بالشهامة

ولا يكاد يتوقف عن الضحك ،

والإضحاك ..

لم تكن جلساتنا تحلو إلا بوجوده

وهو بارع فى قص الحكايات

واطلاق النكت

كان يحفظ منها الكثير

ويقولها فى الموقف المناسب تماما

وحتى عندما رسب فى احدى السنوات

وتخلف عن مجموعتنا بعام

ظل مرتبطًا بنا ،

بل أنه كان يحضر بعض المحاضرات معنا

وعلى الرغم من أننا كنا جميعا

نحدثهُ عن حبيباتنا ..

فلم يكن يبوح لنا عن نفسه

بشيء عن حبّه هو ..

وكم سألته

- هل لك حبيبة ياعامر؟

فيرد باقتضاب :

- لى ، لكن فى الصعيد

..

تخرجنا جميعا من الجامعة

ولم يتزوج أحد منا حبيبته ،

التى ظل طوال أربع سنوات مشغولاً للغاية بها

أما عامر

فقد قابلته بالصدفه بعد عدة سنوات

كان ذلك فى الإسكندرية

وحين جلسنا تتحدث

على إحدى مقاهى محطة الرمل

أخبرنى أنه قد تزوج ابنة عمه

قلت له :

- هى التى كنت تحبها ؟

- يعنى !

- هل لديك أولاد ؟

- ولد وثلاث بنات

- وكيف وجدت الحياة الزوجية ؟

- طيبة ..

ثم استدرك مبتسما :

= لكنها خالية من الضحك !

****

 

 

 


قطرات الندى

 


جافاه النوم طوال الليل

وفى الصباح الباكر

فتح النافذة

مد يده ، وراح يلمس اوراق الشجرة

المطلة علي غرفته

كانت باردة ، وعليها بعض قطرات الندى

رفعها باصبعه ، وتذوقها بلسانه

احس لها بطعم

يختلف عن الماء الذى شربه

طـيلة حياته كلها

ليس فيه ملوحة

ولا كلور

ولا اية شوائب

بل انه اقرب الى الماء

المحلى بالقليل من السكر

اما رائحته

فمزيج من الفل وزهرة البرتقال

اغلق النافذة

واستلقى على اقرب مقعد

راح يفكر فى مصدر تلك القطرات من الندى :

هل هى حقا من السحب ؟

ام من السماء التى فوقها ؟

ولماذا تسقط فى آخر الليل ،

ولا تسقط فى اوله ؟

وكيف تصعد كما يقال من البحر

ثم تهبط بدون ملح على الارض ؟

وتساءل :

لماذا لا يجمعها الناس فى زجاجات ،

اذن لباعوها باغلى الاسعار ؟!

وراح يفكر :

هل يمكن تاسيس شركة

تتخصص فى تعبئتها وتوزيعها ..

ان الاعلانات عنها ستكون مكلفة

لكنها سوف تتفوق على كل الاعلانات المنافسة

للمياه المعدنية

التي يستخرجونها من الآبار

ولا تكون بهذا الصفاء السماوى !

وتعجب :

لماذا لم يفكر احد فى ذلك من قبل ؟!

هل لان المشروع قليل الجدوى ؟

او عديمها ؟

فى صباح اليوم التالى

وبعد نومة طويلة هادئة

اسرع بفتح النافذة

كانت الشمس ساطعة

والسماء مكتملة الزرقة

حدق فى اوراق الشجرة

المطلة على غرفته

لم يلحظ اى قطرات من الندى فوقها

لكنها كانت شديدة الخضرة ، ويانعة !

ـــــــــــــــــــ

 

 

 

 

الحب الاول

 

 


فى غمرة احداث الجريدة

ورئيس التحرير مشغول للغاية

فى تجهيز العدد الاسبوعى

وتليفونات المسئولين تلاحقه

للاطمئنان حول نشر بعض الموضوعات ،

وحذف بعضها ..

دخل عليه المحرر الجديد

وكان قد عينه حديثا

بناء على توصية وزير سابق

وعندما رفع رأسه ليسمع منه

بعد ا ن خلع نظارته

وجده يقول له بكل ثقة :

ــ هل تسمح لى ياريس

ان اقوم بتحقيق

مع كبار الشخصيات فى المجتمع

حول حبهم الاول ؟

لم يصدق الرجل ما يسمع

وعاد فوضع النظارة على عينيه

ليتامل الشاب من جديد

ــ ماذا تقول ؟

ــ اقول اننى اريد ان اقوم بعد اذنك

بتحقيق صحفى موسع

حول الحب الاول ..

قاطعه متهكما :

ــ وكيف جاءتك هذه الفكرة العبقرية ؟

ــ لان الحب الاول ياريس ،

كما جاء فى الانترنت ،

هو اهم حدث يقع فى مرحلة المراهقة

ويظل ىؤثر على فكر الانسان وسلوكه

طوال مراحل العمر .

ــ يعنى حضرتك ترى

انه ىؤثر علينا الان

ونحن نقوم بهذا العمل ؟!

ــ طبعا يافندم .

امسك رئيس التحرير نفسه

من الانفجار فى الشاب

وتذكر توصية قريبه الوزير

وقال له بهدوء :

ــ طيب ياحبيبى ..

دعنى الان وسوف نتحدث عن ذلك

فيما بعد .

خرج الشاب مطمئنا

وعاد رئيس التحرير للانهماك فى عمله

وحين عاد بعد منتصف الليل الى منزله

كانت زوجته قد تركت له عشاءه المعتاد على السفرة

جلس وحده لياكل ..

وراح يستعيد ما حدث مع المحرر الشاب

وابتسم من تفاهة الموضوع

وتهور المحررين الجدد

لكنه حين القى نظرة على صورة زفافه المعلقة

لم يستطع ان يبعد من ذاكرته

طيفا عزيزا عليه :

سعاد بنت الجيران

بعينيها الواسعتين

وضفيرتها المكتنزة

وضحكاتها التى لا تنسى ..

ان زوجته تشبهها الى حد كبير ..

بل ان كل النساء اللاتى احبهن

كن نسخا منها ..

وحتى سكرتيرته الحالية

لها نفس عينيها

ولعل هذا هو السبب الكامن

الذى جعله يتجاوز عن الخبرة

ويختارها من بين جميع المتقدمات !

 

 

 

 

 

وجبة للجميع

 

 


إنتهى الأسد من وجبته

كانت الفريسة ثورًا كبيرًا ،

يزن طنًا من اللحم

وأقبلت اللبؤات

اللاتى قمن بالصيد الفعلى

بنهش نصيبهن

تاركة أشبالهن الصغار

يتقاسمن معهن الوليمه

وبعد أن انتهى الصف الثانى

سقطت النسور من السماء

فتشاجرت قليلا حول العظام والجلد

ثم انتهت بأخذ كل منها ما تمكن منه

وعاد لعشه ليطعم فراخه الجائعة

وأخيرًا تُرك الهيكل العظمى للنمل والذباب

التى راحت تتجول فى كل مكان منه

حدث هذا كله فيما يقارب الساعة

ثم عادت الغابة إلى هدوئها المعتاد

الريح تحرك الأغصان

وفوقها تقفز القرود برشاقه

والبلابل ترسل موسيقاها إلى أبعد مكان

أما قطيع الثيران ، الذى راح منه واحد

فقد استأنف قضم العشب

ومن وقت لآخر ..

كان أحد الثيران يحاول التغلب على زميله

ليثبت جدارته بالحصول على الإناث !

----

ويبدو أن القطيع نسي بسرعة

ما حصل للثور – الضحية

الذى صادته الأسود

والتهمته بالكامل أمام عينيه

منذ ساعة واحدة فقط

 

 

 

 

 

حدث فى حديقة الحيوان

 

 

 


كنت متجها لزيارة أحد اصدقائى

وعندما توقف الأوتوبيس

فى اشارة مرور طويلة ،

أمام حديقة الحيوان

ترددت لفترة ، ثم قررت النزول

اتجهت لشباك التذاكر

وقطعت تذكرة

ودخلت

----

كان يوم إجازه

والحديقة مزدحمة بالزائرين

وأكثرهم من الأطفال

تجولت قليلاً بين بيت الفيل ،

وجبلاية القرود

ولم أتوقف أمام الاسد طويلا ..

لأننى لا أحب ان أرى انكسار هذا الوحش الكاسر

أحسست بالتعب

فذهبت إلى مسطح أخضر

تجلس فيه بعض العائلات

وحولها الأطفال يلعبون بالكرة

----

جلست بجوار عائلة

الأب ، والأم ، وثلاث بنات

كانوا يراقبون ابنهم ، وهو يلعب

ثم نشروا مائدتهم على العشب

وأخرجوا أكياس الطعام

وراحوا يتقاسمونها

فوجئت بابنتهم الصغرى

تحمل لى بعض السندويتشات على طبق ورقى

شكرتها بشدة ، لكنها أصرت على تركه

وعادت لأسرتها

كنت بالفعل جائعا ، فأكلت

السندويتشات لذيدة جدا

وكان علىّ أن أذهب لأشكر الأب

سألنى : هل أنت وحدك

قلت : نعم

دعانى للعب دور كوتشينه

قبلتْ

التف الجميع حولنا ، بما فيهم الابن

ورحنا نضحك ، ونتحدث

عن عملى ، وبلدى ، ثم عن حياتى كلها ..

الأسرة طيبة جدا ، ومحافظة

والبنات مؤدبات ، وجميلات

قالوا لى : إن الكبرى مخطوبة

وستتزوج قريبا فى مدينة أخرى

أما الوسطى ..

فكانت تنظر فى الأرض

حين أنظر إليها ..

عاودت شكر الأب والأم على السندويتشات

قالت الأم بحنان بالغ :

-على ماذا يا بنى

هذا شىء بسيط ،

وأنت فيما يبدو ابن حلال

وتستاهل كل خير..

أحسست أن أمى هى التى تتحدث

وتمنيت لو ألقى بنفسى فى حضنها

أعطيت الأب عنوانى ، ورقم تليفونى

لم تمض سوى أيام قليلة

حتى زرتهم فى منزلهم

رحبوا بى بشدة

كأنهم يعرفوننى من زمن طويل ..

سألنى الأب :

- هل نحضر لك لقمة ،

قبل أن نشرب الشاى معا ؟

وجدتنى أقوله له :

- أنا جائع بالفعل

لكن يشرفنى يا عمى

أن أطلب يد ابنتك الوسطى !

ابتسم ، ولم يرد

ثم قام على الفور ، واتجه إلى المطبخ

سمعت زغرودة الأم

تملأ المكان بفرحة ..

كنت فى أشد الحاجة لسماعها .

 

 

 

 

 

أحلام على النيل

 


بعد امتحان الثانوية مباشرة

جلس الصديقان الحميمان

على أحد المقاعد الرخامية على النيل

وراحا يتحدثان عن أحلامهما العريضة

قال الأول :

- إن مجال الهندسة

هو الذى سيكون مطلوبا

فى الفترة القادمة ..

وقال الآخر :

- لكن الطب كان وسوف يظل

هو الضرورة الأولى لمجتمعنا

ثم ظهرت النتيجة

وكانت مخيبة للأحلام

فدخل الأول أحد المعاهد الفنية

وتوفى والد الثانى

فتوقف عن مواصلة التعليم

وراح يساعد أمه وأخواته

بالعمل فى سوبر ماركت

----

مرت سنوات عديدة

ولم يعد الصديقان يلتقيان إلا قليلا

ثم ما لبثت أن انقطعت صلتهما تماما ..

الشئ الوحيد الذى استمر :

ذهاب كل منهما على حدة ،

للجلوس فى نفس المكان ..

أمام النيل !

----

وذات يوم تقابلا

وكانت مصافحة وعناق ،

ثم تواعدا لاستعادة ذكريات الماضى

وحين التقيا بإحدى الكافتيريات

راح كل منهما يحكى قصته للآخر ..

الأول تزوج ، وأنجب أولادا ،

وأصبح له محل خاص ،

لإصلاح الأجهزة الالكترونية

والثانى صار يملك مزرعة صغيرة

فى مديرية التحرير

سكتا برهة ، فقال الأول

- الحمد لله على كل حال

فإذا لم تتحقق أحلامنا القديمة

فإن الله عوضنا عنها

عملاً ، وزوجة ، وأولادا .

وقال الثانى :

- وله الحمد على الصحة ،

التى تبعدنا عن توحش الأطباء

ومغالاة المستشفيات الاستثمارية

ثم فى صوت واحد تقريبا :

- ألم تعد تذهب إلى مكاننا المفضل

على النيل ؟

- أذهب إليه من وقت لآخر

- وأنا أيضا ..

- إذن علينا أن نزوره

- موافق ، هيا بنا ..

عندما جلسا فى نفس المكان ، لم يكن شىء قد تغير

العمارات الشاهقة ترتفع على جانبى النيل

والماء ينساب بهدوء ، وببطء شديد

وهناك فى وسط الماء

صياد عجوز ، على قارب متهرئ

يلقى شبكته ويرفعها

حاملة بعض الأسماك الصغيرة جدا ..

****

 

 


البقال والسوبر ماركت

 

 


كانت حارتنا ، والحارات المجاورة

تستوفى كل حاجياتها من محل البقاله

الذى يملكه عم صبحى وابنه سلطان

والجميل فى الأمر ..

أنه كان يعطى البضاعة لمن يدفع

وحتى لمن لا يملك نقودًا

فقط .. يسجل ديونه فى دفتر

ولم يكن يطالب المدين أبدًا

بل يتركه حتى تتحسن أحواله ، فيدفع

أما الأطفال ..

فكانوا دائمًا يتلقون منه

قطعة حلاوة طحينية على طرف السكين

كلما جاءوا يشترون شيئا

حتى ولو كان كيس ملح !

----

لكن الكارثة وقعت

عندما انهار بيتٌ متداعٍ

فأقيم مكانه برج سكنى ، اسفله جراج

وبجانبه افتتح سوبر ماركت

نظيف ، ومرتب ، وبه العديد من الاصناف

أكثر مما فى محل عم صبحى

وأشد خطفًا للأبصار

ثم إنه مكيف ، ومضاء كله بالنيون

بخلاف بقالة عم صبحى

التى تتحرك فيها مروحة سقف قديمه

وتضيئها لمبة لا تزيد عن مائة واط !

----

بدأ أهل الحارة ، والحارات المجاورة

يتوافدون على السوبر ماركت

لشراء حاجياتهم

ولم يعد يذهب لبقالة عم صبحى

سوى بعض العجائز ، وكبار السن !ّ

ومن العجيب ..

أن الأطفال الذين كانوا يحصلون

من الرجل على قطعة حلاوة

صاروا يفضلون الذهاب إلى السوبر ماركت

والتجول فى أجنحته

لمشاهدة اللعب ، مثل سيارات الأطفاء ، والقطارات ..

وأخيرا ..

يشترون كيس شيبسى

بالطعم الذى يفضله كل منهم !

****

 

 


مشروع سرقه ..

 

 


اتفق الشبان الثلاثة

وكلهم عاطلون ..

على أن يسرقوا محل المجوهرات

الذى يملكه الخواجه اسكندر فى منتصف الشارع

وراحوا يوزعون المهام :

أحدهم للمراقبة

والثانى لفتح المحل

والثالث لكسر الخزنة

وحين يتم العمل

يركبون الموتوسيكل ، وينطلقون ..

إلى أين ؟

قال الأول : فى إحدى قرى الفيوم

وقال الثانى : إلى الاسكندرية

أما الثالث فاقترح أن يعودوا لمنازلهم

ولا يتقابلوا إلا بعد فترة ..

حتى تهدأ الشرطة عن البحث والتحريات

وكانت المشكلة التالية :

اين يخبئون الغنيمه ؟

قال الأول : عندى

واعترض الثانى : ولماذا لبست عندى

حيث البيت أكثر أمانا ؟

وقال الثالث : لا عندك ، ولا عنده ..

سوف نخبئها فى أحد المدافن المجهولة

بمقابر زينهم .

المهم الآن : أن نضبط ساعاتنا

لكى نكون أمام المحل

فى الساعة الثانية تماما ..

بعد منتصف الليل .

----

فى أولى ساعات المساء

سمعت أصوات صراخ وعويل

من بيت صاحب محل المجوهرات

سأل أحدهم : ماذا جرى ؟

- البقاء لله .. مات الخواجه اسكندر

لم يجد كلمة يرد بها

صعد ببطء إلى شقته

تلفن لزميليه

- العملية ألغيت

- لماذا ؟ ماذا حدث ؟

- مات الرجل

- أى رجل ؟

- مات وخلاص !

****

 

 

 


 

 

 

 


ما لا يقال ..

 


بعد عدة أيام من البكاء المتواصل

صرحت لأمها بكلمات حاسمة

- أنا لم أعد أطيقه يا أمى

ولابد أن تساعدونى فى الطلاق منه

- يا بنيتى .. ما سبب هذا بالضبط ؟

هل يضربك ؟

- كلا

- هل يمنع عنك المصروف ؟

- كلا

- هل يعرف امرأة أخرى ؟

- كلا

- أذن يا حبيبتى.. ما هو السبب ؟

- لا أريد أن أقول

- وكيف نقول له : أنا وأبوك وإخوتك ؟

- لا أدرى .. المهم أن تطلقونى منه

نهضتْ الأم وهى أشد حزنا ، وخيبة أمل

واتجهت إلى الأب ،

الذى كان ينتظرها فى الصالة ..

سألها :

- ماذا قالت ؟

- لم تقل شيئا .. لكنها مصممة على الطلاق

- ألم تقولى لها إن الطلاق ممنوع فى ألعائلة .

- والله أنا محتارة تماما ..

ولا أدرى ماذا أقول ؟

- وأنا ، وإخوتها الكبار ..

كيف نواجه الولد ،

ونحن لا نعرف السبب ؟!

- طبعا هناك سبب

وهى لا تريد أن تصرح به أبدا

- لعنة الله على (خلفة البنات)

- حرام عليك ..

البنت طيبة ، وقد ربيناها أحسن تربية

- ربيناها وتخفى عنا أسرارها ؟!

- والله ، أنا لا أنام الليل ،

وأظل سهرانه لغاية أذان الفجر ..

- اسمعى ..

أنا مخى شغال فى مشكلتها

- يعنى ايه .. فسّرْ يا أخويا ..

- يمكن المسألة الـ ...

- تقصد ..

- هذا هو الأمر الوحيد

الذى يجعلها لا تقوله لنا

- اذن .. استدع الولد ،

وحاول أن تلمح له ..

- اخرسى يا امرأة ..

كيف ألمح له فى هذا الموضوع ؟!

- يبقى البنت معها حق

- ربنا يصلح الأحوال

وعموما لقد وعدته أن يأتى الينا فى المساء

وسوف أجلس معه ،

وأستمع منه

- ربنا يبارك لنا فيك يا خويا ..

ويخليك لنا كلنا..

وعندما نهضت سألها :

- إلى أين أنت ذاهبة ؟

- أعمل لك فنجان قهوة ،

يعدل دماغك !

**

 

 

 

الموظف المعارض

 

 


لم يتمالك رئيس مجلس الإدارة نفسه من الغضب

حين فوجئ برئيس أحد الأقسام

يهاجم فى اجتماع الجمعية العمومية

قراره المطروح بتخفيض نسبه الأرباح للعمال ،

ومضاعفتها لمجلس الإدارة !

----

عقب انتهاء الاجتماع

وبعد أن دخل مكتبه الواسع

وأسند ظهره إلى كرسيه الفخم

قال رئيس المجلس لأتباعه

الذين أسرعوا بالتحلق حوله :

- كل هذا يأتى منه

وأنا الذى عينته

من بين العديد من زملائه

وأقسم بشرفى إنهم كانوا أحق منه

- يا سعادة الرئيس

إن هذا الحقير لا يستحق انفعالك

- لقد نجح – كما رأيتم – فى إيقاف قرارى

وها هو قد ظهر كبطل بين العمال !

- أبدًا يا سعادة الرئيس

إنهم فقط إنما صوتوا لمصلحتهم

لكنه بالنسبة إليهم يظل : لا شئ !

- وأنا أرى يا سعادة الرئيس

أن تنقله إلى فرع الشركة بالسويس

- كلا إن نقله الآن سوف يثير التساؤلات

ويقال إننى نقلته

بسبب ما قاله ضدى فى الاجتماع !

وأنتم تعرفون جيدا

إننى رجل ديمقراطى ، وعادل

- طبعا يا سعادة الرئيس

ومن يجرؤ أن يقول غير ذلك ..

- لهذا أتوقع أن نبحث له عن مصيبه أخرى ..

- أقترح يا سعادة الرئيس

أن تسحب منه ميزانية القسم

وتعطى حق التوقيع لنائبه ..

- وأنا أقترح يا سعادة الرئيس

أن نجعله يوقع على بعض الأوراق المزورة ..

- أما أنا يا سعادة الرئيس

فأقترح أن ندبر له جريمة رشوة

مع أحد عملاء الشركة

ونسجلها له بالصوت والصورة ؟

- كلا .. كلا ..

إن لدى فكرة أنكى ..

- وما هى ؟

- نوقعهُ فى جريمة نسائية

ونعمل منها فضيحة رأى عام

اعتدل رئيس مجلس الإدارة ، وقال :

- هذه هى الفكرة العبقرية

لكنها تحتاج إلى تخطيط جيد ، وسرية كاملة

أنتم فقط الذين تعرفون بها

وحسابكم جميعا عندى ..

إذا خرج السر من أحدكم !

- حاشا لله يا سعادة الرئيس

نحن مستعدون للحلف أمامكم

على هذا المصحف الذى على المكتب ..

- لا داعى لهذا ..

فأنتم تعلمون مدى ثقتى بكم

----

لم تمض ثلاثة شهور

حتى وقع مدير القسم

فى الفخ المنصوب له بإحكام

وتحدثت الجرائد الصفراء ،

وغيرها من مختلف الألوان

أما التلفزيون فقد استضاف

رئيس مجلس الإدارة

حيث راح يتحدث طويلاً

عن ضرورة تطهير الشركات من الفساد

ثم ابتسم للمذيع ، وقال

- وسوف أعطى لبرنامجك خبرًا حصريا :

وهو أن مجلس الإدارة فى اجتماعه اليوم

قرر فصل هذا الموظف المنحرف

وبالإجماع !

****

 

 

 


أربعة فى نفس الحفرة

 

 


كان كل من زميلىْ العمل

يحكى لصاحبه عن حياته الزوجية

كيف تزوج ؟

وطبيعة زوجته ؟

وعاداتها اليومية ؟

وما تحب ، وما تكره ؟

وأخيرًا قررًا أن يعمقا علاقاتهما

فبدآ يتزاوران عائليا

وبسرعة تآلف الأربعة

نتيجة معرفتهم السابقة ببعضهم

وصار إذا غاب أحد الزوجين فى رحلة عمل

استضاف الآحزان زوجته

لتقيم عندهما عدة ليالٍ

ثم كانت الكارثة ..

حيث أعجب كل منهما بزوجة الآخر

وراح يشكو لها من الملل ،

ورتابة الحياة مع زوجته

وأخيرا .. كاشفها بحبه

فكانا يتلاقيان سرا

وأصبح هذا يخون ذاك

والعكس بالعكس تماما

لكن شدة الحرص جعل الجميع ..

يتصرفون بصورة طبيعية تماما

وكأن شيئا لا يحدث

لكن الجريمة الكاملة لا تكتمل أبدا

فقد بدأت بعض التصرفات الصغيرة

تكشف عن شيء كبير

وذات يوم ،

وقع ما كان ينبغى أن يقع

وضبط اثنان منهما متلبسين

بينما راح الآخران يصبان عليهما اللعنات

وهما فى أعماقهما يشعران أنها أيضا من نصيبهما !

 

 

 

 

تعايش ضرّتيْن

 


قبل غروب الشمس بقليل

وبعد أن اغتسلت كل منهما

ووضعت الكثير من المساحيق على وجهها

جلست الضرتان

كل أمام باب حجرتها

قالت القديمة للجديدة

- وحياتك ، أنه لم يتزوجك

إلا فى لحظة غضب منى

ولولا ذلك ما نظر إليك

- هذا من غيرتك

إنه يحبنى أكثر منك

ويكفى أنه ظل يتوسل لأهلى

حتى يوافقوا على زواجنا

- عن أى أهل تتحدثين

وأنت يتيمه ،

وليس لك إلا خال فقير

وكان بحاجة إلى مهرك ليسدد ديونه

- كذب ..

فإن مهرى موضوع فى البنك

وشبكتى الذهبية ما زالت فى يدى

انظرى ..

- عموما ، فإن كثرة الذهب دليل على قبح المرأة

وحسبى أنه عندما يكون مرهقا ، أو متضايقا

يأتى إلىّ ، ويضع رأسه فى حجرى

ويشكو لى همومه !

- من أى شيء يشكو؟!

وعن أى هموم تتحدثين ؟!

إننى أملأ حياته بالسعادة

ولا يمر يوم بدون أن يصارحنى بحبه

- الحب كان زمان يا حبيبتى !

كانت نزوة وانتهت

وأقسم إنه الآن ندمان على زواجه منك

- ولماذا أذن لا يدخل حجرتى

إلا بالحلوى فى يده ،

وعطرى المفضل فى جيبه

سكتت القديمة قليلا ، ثم قالت :

- وهو يفعل ذلك أيضا معى ..

وهذه عادته لم يقطعها منذ تزوجنا

- ولماذا تزوجنى عليك ؟!

ألم يكن بحاجة إلى امرأة أجمل

وتجعل لحياته معنى

انتفضت القديمة غاضبة ، وقالت :

- أنت بنت كلب

وتستحقين الضرب

وهنا توقف الجدال ،

وراحت كل منهما تمسك بضفائر الأخرى ،

وتولول وتصرخ ،

حتى أقبل الجيران ،

وفصلوهما عن بعضهما ،

ثم ادخلوا كلا منهما حجرتها ،

وهى تسب وتلعن ، وتقول :

-انتظرى فقط حتى يعود

لكى أحكى له عن كل شيء !

 

 

 

 

 

 

 

 

 


الكلب الهارب من صاحبه

 


هرب كلب من صاحبه

ولأنه كان قد تعوّد عليه

راح يبحث عنه فى كل مكان

وبينما هو يسأل الناس ، سألوه :

- هل كنت تجيعه ؟

- كلا

- هل كنت تضربه ؟

- كلا

- هل كنت تحبسه ؟

- كلا ..

- إذن ما الذى جعله يهرب منك ؟

- لا أدرى ..

غير أنى ذات يوم .

نهرته بشدة أمام أحد أصدقائى

 

 

 

 

 

****

 

 


تصبحين على خير !

 

 



رجعا من الحفلة فى غاية الإرهاق

لكنهما ظلا ساهريْن يتحدثان

عن الأصدقاء القدامى ، والجدد الذين تعرفا عليهم .

راحت زوجته تتحدث بدون توقف

عن الفساتين والحلىّ والإكسسوارات،

وتنتقد الكثير من التصرفات والتعليقات ،

أما هو فكان سارحا فى امرأة واحدة،

لم تستطع زوجته أن تجد فيها عيباً .

وكيف يوجد ؟

وهى كاملة الأوصاف :

الشعر ، والوجه ، والصدر، والخصر، والساقان . .

أما حديثها فيأخذ بالألباب ،

ويتمنى من يسمعها ألا تتوقف أبداً عن الكلام .
وفجأة سكتت الزوجة ، ثم واجهته بحسم :
-ـ  ما رأيك فى فلانة ؟
-ـ  فلانة من ؟
–  لا تتظاهر بالبراءة.
–  أبدا والله، هل تقصدين ...
–  أجل أقصدها . رأيتك تلتهمها بنظراتك ،

وطوال الطريق وأنت تفكر فيها !

هل تقرأين أيضاً أفكارى ؟

أرجوك دعينا من دوشة الحفل ، فإن النوم يغالبنى ..
–  لا نوم حتى تصارحنى !
–  بأى شئ ؟
–  أنك معجب بها .
–  أقسم لك إنها امرأة عادية ،

وكل ما فى الأمر أنها كانت تتحدث وكان علىّ أن استمع إليها .
–  طيب احلف أنك مازلت تحبنى ؟
–  والله أحبك ، ولا أحب أحداً سواك .
ثم وهو يلفها بذارعه :
–  وسوف أحبك حتى آخر العمر

لكن دعينا فقط ننام ولو ساعتين . .

تصبحين على خير !

 

 


السيناريو الذى حوله

 



بدأ يمارس فن التمثيل

منذ كان فى العاشرة من عمره

. اكتشفه أحد المخرجين وهو فى المدرسة

، وأسند إليه دوراً فى فيلم ، جعله محط أنظار المخرجين

، فصاروا يطلبونه لأدوار مماثلة

. كبر وأصبح نجماً .

كثرت حوله المعجبات ، فتعددت مغامراته،

وملأت أخباره الصحف والمجلات .

أما أصدقاؤه المقربون

فكانوا كلهم من الوسط الفنى.

لم تكن تدور أحاديثهم إلا عن الفيلم الماضى ،

والاستعداد للفيلم الجديد . .


ذات يوم ،

جاءه سيناريو لفيلم عن إحدى الشخصيات التاريخية

. فيلسوف دفع حياته ثمناً لآرائه

التى رفضها مجتمعه رفضا قاطعا

كيف ؟

وما هى حقيقة هذه الآراء ؟

لم يجد فى السيناريو كل ما أراد معرفته .

استعان ببعض المراجع .

ستة أو سبعة كتب ضخمة إلى جانب مؤلفات المفكر .

أغلق على نفسه باب الحجرة ، وراح يقرأ

اعتذر عن مقابلة الأصدقاء فى موعدهم اليومى

واستمهل المخرج بعض الوقت

ليستوعب الشخصية على نحو أعمق . .

ولأول مرة ،

انفتح أمامه عالم كان يجهله تماماً

المفك كان رايه صحيحا ،

والمجتمع كله هو الذى كان على خطأ

والعجيب أنهم اتهموه بالخبل والجنون

\ثم بالخيانة العظمى ،

وأخيراً أقدموا على إعدامه

وإحراق كتبه ،

لكنهم بعد أكثر من مائة عام

تبينوا أنهم أخطأوا ،

وأن الرجل كان يريد لهم الصلاح .

فأعادوا نشر كتبه،

وأقاموا له تمثالاً فى نفس الميدان الذى أعدم فيه. .

***
راح يستعرض شريط حياته .

ماذا فعل ؟

وماذا قدم للناس ؟

وهل ما ينطق به أمام الكاميرا

يوازى ما يفعلونه فى حياتهم ؟

إنه مجرد دمية يحركها كل من المؤلف والمخرج مثلما يشاء

. أين أراؤه الخاصة

، وأين أفكاره ؟

إنه لم يعلنها قط ،

وحتى فى الأحاديث الصحفية

يكون هناك من ينقحون كلامه ،

بهدف المحافظة على اسمه الفنى ؟

هكذا مضت حياته هباء ،

وسوف يمضى الباقى منها . .

مجرد خيالات على حائط يراها الناس فى الظلام ،

ثم يخرجون بعدها لممارسة حياتهم فى النور .

استعجله المخرج كثيراً

لكنه ظل يعتذر ،

وأخيراً قدم اعتذاره النهائى عن الفيلم قائلاً:

إنه بحاجة إلى فترة ينفرد فيها بنفسه ،

لكى يراجع أموراً كثيرة فى حياته !

 

 


القرية النائية



لم يكن يتخيل على الإطلاق

أن تلك القرية النائية ،

التى عين فى الوحدة الطبية بها

سوف تشكل جزءاً أساسياً من حياته .

فى الشهور الأولى . .

رأى كل شئ حوله يبعث على القرف والاشمئزاز ،

حتى أنه لعن اليوم الذى تفوق فيه ،

والتحق بكلية الطب .

أين الآمال الكبرى فى عيادة فسيحة بوسط البلد ،

والتردد مع زملائه على النادى ،

وتكوين صداقات وعلاقات مع أرقى عائلات العاصمة ؟

تبخرت كلها

وهو يجلس فى تلك العيادة الحقيرة ،

التى توجد فى سقفها مروحة لا تعمل ،

ويقف على بابها تمرجى بجلباب أزرق ،

وطاقية صوف !

أما المترددات على العيادة فكلهن بلا استثناء

سيدات عجائز،

أو متوسطات العمر بكروش منتفخة ،

ورائحة ممزوجة بالطين وروث البهائم
وذات يوم . .

دخلت مع خالتها فتاة فى حوالى العشرين

عيون خضراء واسعة ،

وضفيرتان تتدلـى إحداهما على صدرها ،

والأخرى على ظهرها حتى أسفل الوسط .

لم يستطع ان يرفع عينه عنها طوال الوقت

أما هى فكانت تبتسم بهدوء ،

وتنظر إليه بثبات .

فور خروجها نادى على التمرجى ،

وراح يمطره بالأسئلة عنها . .
– آه البنت أم عينين خضره

بنت عم فاضل ،

صاحب الطاحونة ،

ناس طيبين وفى حالهم .

ولهم ولد سافر إلى العراق منذ عدة سنوات

وانقطعت أخباره


كان يريد أن يلتهم عنها كل خبر

راح يتلذذ بكل التفصيلات ،

التى لم يخرجها التمرجى الملعون إلا بصعوبة

***

فى الزيارة التالية لخالتها سألها عنها ؟

ولماذا لم تحضر معها ؟

ثم تجرأ ، وسأل :

هل هى مخطوبة ؟

وإذا تقدم هل يوجد مانع ؟

كان الطريق خالياً ،

ولم تمض عدة أيام

حتى كان يجلس إلى جوارها فى كوشة الفرح . .

ولم يعد يكره القرية التى عين فيها .

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

 

 

سنوات الحكومة



فى السنة الأخيرة من عمله فى الحكومة ،

أصبح سريع الغضب،

كثير النرفزة ،

ينفر من الناس ،

ولا يتحمل أى دعابة .

وصار يصحو مبكراً ،

فيجلس فى البلكونة

ليستنشق نسمات الصباح الباردة ،

ويشاهد أولى حركات الشارع .

قبل السادسة ،

يصل تحت المنزل

وبالقرب من الناصية

بائع فطير فى سيارة نصف نقل صغيرة ،

ومحملة بالصوانى .

ينزل فيفرد جوانبها حتى تصبح مطعماً ،

ثم يضع عليها صوانى الفطير ،

تتوسطها صاجة التسخين ،

تحتها موقد بوتاجاز .

يتجمع بعض الزبائن

لكنه لا يبدأ البيع لهم

إلا بعد استكمال باقى الطقوس :

يخرج رزمة أوراق متوسطة وصغيرة .

المتوسطة لفطيرة الجنيه ،

والصغيرة لفطيرة الخمسين قرشاً.

ثم يشعل البوتاجاز ،

ويرش الصاجة ببعض قطرات من الزيت ،

ويضع فوقها كمية من الفطير .
عندما ينتهى

يبدأ فى تقبل الطلبات

دون أن ينظر لأصحابها .

يتناول فقط النقود،

ويلف لكل زبون فطيرته

مصحوبة بكيس صغير من السكر.

البعض يأخذها

ويجرى ليلحق بالأوتوبيس

الذى يقله إلى عمله،

والبعض الآخر يلتهم الفطيرة

وهو واقف بجوار العربة.


كم يكسب هذا الرجل فى اليوم الواحد ؟

راح يعد الصاجات فوجدها سبعاً ،

على كل منها حوالى مائة فطيرة .

فى الثامنة تقريبا

تكون كل الصاجات قد فرغت ،

ويتحول المطعم الصغير إلى عربة

، يقودها الرجل ويمضى . .

ما أجمل هذا العمل !

وما أوفر ربحه!

كما أنه محترم ،

ولا يستغرق سوى ساعتين

وراح يتساءل:

هل ضاعت سنوات عمره فى الحكومة

هبــــاء ؟ !

 

 

 

 

 

 

***

 


فى انتطار الآتى

 


كانوا متجمعين فى فناء مبنى كبير

شيوخ وشباب ونساء وأطفال ..

ويكاد عددهم يتجاوز الألف

وقد قام فيهم بعض الخطباء والشعراء

فحركوا النفوس ، وألهبوا المشاعر

وفجأة ، ارتفع صوت جهورى

- هيا بنا إلى الخارج

وصاح آخر :

- إلى متى الانتظار ؟

لكن الجالسين على المنصة ، قالوا لهم :

- إننا ننتظر قدومه

فهو الذى يعرف جيدا

الطريق المؤدّى ..

من بين جميع الطرق المسدودة

عاد الجمهور المنفعل إلى الهدوء

وراحوا : يسكت بعضهم بعضا

ودخل كل اثنين منهم فى أحاديث جانبيْة

وانشغل النساء بإرضاع أطفالهن

والقليل جدا

هو الذى ظل يراقب أبواب المصنع

متطلعا لكى يحظى برؤية القادم ..

قبل الآخرين

----

عند حلول المساء ..

تفرق الجمع ، وعادوا إلى بيوتهم

كل منهم أصطحب عائلته ،

ومشى من طريق مختلف

لكنهم ما زالوا يتحدثون ..

عن أهمية التجمع ، والانتظار ..

----

وعلى مائدة العشاء

سأل طفل برىء أباه :

- كيف شكله يا أبى ؟

- مَنْ هو يا صغيرى ؟

- الرجل الذى تنتظرونه ؟

- إنه أطول من كل الرجال ،

وأقوى من كل الرجال ،

وهو الذى سيخلصنا مما نحن فيه ..

- وماذا ستفعلون إذا لم يأت يا أبى ؟

تدخلت الأم بسرعة :

- لا تقل هذا يا حبيبى

حتى لا يسمعنا أحد من الجيران

لأن ذلك لو حدث ..

يخرجوننا من البلد !

 


 

 

 

التعليقات (0)Add Comment

أضف تعليق
تصغير | تكبير

busy
آخر تحديث الاثنين, 20 أبريل 2015 23:19