الهارب
[كُتِبت في عهد مبارك .. عن بطلٍ مجهولِ الهُويَّة من الذين قالوا: لا.. فكان لابد أن يقتلوه !]
جاء يدقُّ البابْ
كأنه عاصفة من الترابْ
وحينما فتحتُ
كان في ثياب السِّجن ، صحْتُ:
- هل هربْتَ ؟ !
لم يردَّ ، وارتمى على يديّ
رأيتُ ظهره مضرجًا بالدَّم
سمعتُهُ يهمسُ:
- إنَّها الكلابْ !
* *
أيّ مساء يحمل الشرَّ أتى به إليّ ؟ !
وما الذي ذكَّره بمنزلي في وسط المدينهْ ؟ !
أدرتُ ألف هاجس ،
وعدت بالضمادهْ
أسألهُ:
- هل أحد رآكْ ؟
أجاب في ارتيابْ:
- لعلَّه البوَّابْ !
* *
ناولتُه الشايَ ، وقلتُ:
- إنَّهم سيعرفونْ !
عاتبني بنظرة طويلة منكسرهْ
كان يُريد أن ينامْ
تركتُه للفجرْ ..
تركتُه للعصرْ ..
تركتُه لليلة الأخرى ممدِّدًا على السريرْ
ومقعدي الهزَّاز لا يقرّ ..
مِن ضراوة التفكيرْ !
* *
حين صحا ، أخبرني بأنَّه جوعانْ
أحضرت كل ما لديَّ من ألوانْ
انقضَّ مِثل حوتْ
وقال: إنه يحسُّ باستعادة النشاطْ
ولا يريد أن يموتْ !
* *
سألتُ:
- ما الذي تنويهْ ؟
التمعتْ عيناه فجأةً ، وقال لي:
- أمارس التمويهْ !
* *
كنتُ أسيرُ في الطريق ،
مثلما الجرذِ الذي يخشى الخطا ،
ويختبي ..
من وَهَج العيون ، وانقضاضة الأصحابْ
وفوق مكتبي ، أطالع الجرائد المروِّعهْ
صورتُه تملؤها ..
أخبارُه تُلهِبها ..
أجهزة البوليس لا تنام عنهُ ..
كاد بعضها يُحدِّدُهْ ! !
* *
يقول لي المدير
عندما يلاحظ اضطرابي
- أراك مُرهقًا ؟
أقولُ:
- إنَّني مريضْ !
* *
أدخلُ بيتي ،
حاملًا كتابه الذي تَخيَّرهْ .
وخَنْجَرهْ
وقبل أن أُعطيهما له ،
وأستعد كي أصرخَ فيه:
« إنَّني سئمتُ من وجودك الثقيلْ .. »
يخبِّرني بأنه قد قرَّر الرحيلْ
* *
أيّ هواء طازج
هذا الذي ينداح في المكانْ ؟ !
وأي راحةٍ أحسها بأضلعي ،
التي تشوَّقت للحظةٍ من الأمانْ ؟ !
للمرة الأولى ..
شعرتُ أنني أريد أن أنامْ
أحبُّ أن أنامْ
أسلمتُ للكرى جفوني المسهَّدهْ
وغُصتُ في بحيرةٍ مِن الغمامْ
* *
مع الصباح ..
كان لون النصر في واجهةِ الجرائدْ
وفرحة المذياع تملأ الدروب والمقاهي ..
سألتُ:
- ما الذي يدورُ ؟
قيل لي:
- تَمكَّن الجنودُ من جَنْدَلةِ الهاربْ
واستخرج البوليسُ مِن جيوب سترتِهْ
كتابَه وخنجرَهْ ! !
* * *
|