عداد الزائرين

mod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_counter

إضافات حديثة

   
 
قصائد فرنسية صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك
كتبها Administrator   
الأربعاء, 24 أكتوبر 2012 02:13

 

 

 

 

 

 

قصائد فرنسية

ترجمها إلى العربية

أ.د. حامد طاهر

 

 

 

المحتوى


 

 

مقدمتان :

المقدمة الأولى : حول فن الشعر

المقدمة الثانية : حول ترجمة الشعر

 

القصائد :

دائرة حول العالم / بول فور

الحريـــة / بول إلوار

أنت وجدتنى / أراجون

زانجرا /جاك بريل

الأغنية الخالدة / ديزمون جيرار

البقعة السوداء / جيرار دى نرفال

حلمى المعتاد / فيرلين

بمناسبة العيد / آن هيبير

الذكريات / هنرى باتاى

لست سعيدا / جول رومان

حزن / الفريد دى موسيه

أنا ميت / رينيه دومال

الأرض / ماكس جاكوب

اعتذار لفنان / كورنى

أشكرك يا إلهى / برنار داوى

الجـــن / فيكتور هيجو

أنا أعرف / جان لوب دابادى

العجوز / فرانسوا بيرانجييه

الفارون / ماريان فان هيرتون

سبع أمنيات / كلير جول

شؤون عائلية / جاك بريفير

لكى ترسم صورة لطائر / جاك بريفير

ماذا أقول له ؟ / موريس ماتيرلنك

أربع قصائد فى القطط / بودلير

 

من الشعر البولندى :

لا شىء أكثر من ذلك / س. ميلوز (جائزة نوبل)

مقـــابلة / أنا كافينسكا

اقضم لسانك / بارنكزاك

سأروى لك التاريخ / جورج فيكوفيسكى

وفى الحقيقة لم نكن نعرف / ز. كريتسكى

إلى شاعر شاب فى العصر الحديث / جاك بيير زين

 

ملحق للدراسات المقارنة :

موسيقى من الجــن / محمود حسن إسماعيل

ماذا أقول له ؟ / بشارة الخورى

الشاعر والقصيدة / د. حامد طاهر

****************************

 

 

 

مقدمتان


المقدمة الأولى : حول فن الشعر


1 - أستطيع أن أعرف الشعر – بالإضافة تعريفاته الكثيرة – بأنه : التعبير الفنى عن المشاعر والأحاسيس الممزوجة ببعض الأفكار فى لغة إيقاعية مصورة . ومن المؤكد أن الشعر موهبة سماوية ، يمنحها الله تعالى لبعض أفراد من البشر بمستويات مختلفة . فهناك الشاعر الجيد ، والشاعر المتوسط ، والشاعر الضعيف
. ثم إن هناك من يحاول أن يتمسّح بهؤلاء الثلاثة ، وهو الناظم ، الذى يمكنه أن يرصف الألفاظ فى كلام موزون مقفى ، لكنه خال تمامًا من دفء العاطفة ، والقدرة على التأثير .


2 - وليس صحيحًا أبدًا ما قاله شكسبير من أن "الشاعر والعاشق والمجنون يجمعهم خيال واحد" . فقد سوّى فى هذا القول بين الشاعر ، الذى يدرك تمامًا ما يفعل ، وبين كل من المجنون ، الفاقد العقل أساساً ، والعاشق الذى تستغرقه العاطفة فلا يدرى كيف يتصرف .. أما الشاعر فإنه بعد أن ينصهر فى تجربته الشعورية ، التى تتفاعل فيها عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية – يظل يعمل بكل وعى على إقامة بناء متماسك من كلمات اللغة ، وعلى أرض لم يتم البناء عليها من قبل . ومن هنا فإن الوعى فى الشعر أمر مؤكد ، وبدونه يصبح الشعر عبارة عن قصائد فارغة من المعنى ، خالية من المضمون . وقد حاول بعض الشعراء الإنجليز (كوليردج) أن يكتب بعض قصائده ، وهو مغيب العقل بفعل المخدرات ، ففشلت تجربته ، ولم تنجح قصائده !


3 - وقد يكون من المفيد هنا الإشارة إلى علاقة الشعر بالفكر ، أو بالأحرى دور الفكر فى الارتقاء بمستوى الشعر . والواقع أن قصيدة خالية من الفكر ، أو حتى من لمسة بسيطة منه ، لن تكون أكثر من صرخة فرح ، أو نوبة بكاء ، أو انفجارة غضب ، أى مجرد انفعالات متناثرة يطلقها إنسان فى حالة غير طبيعية . أما الفكر فهو الذى يضبط عشوائيه الانفعالات ، ويجعلها تتماسك فى بناء فنى يجعل منه نمطا إنسانيا يتشارك فيه مع الشاعر كل من يتلقى قصيدته ، ويكون قد مرّ بنفس التجربة التى مرّ بها . وقد قارن أحد النقاد بين شعراء اللفظ ، وشعراء الفكرة فقال ساخرًا : إن شعراء الألفاظ وحدها يغارون .. تماما كما تغار الزجاجات الفارغة من الزجاجات الممتلئة ! وقال تيتشه : إن الشاعر يحمل منتصرا أفكاره فى عربة الإيقاع ، لأن هذه الأفكار فى العادة لا تستطيع أن تمشى على قدميها . وقال بول فالبرى إن الشاعر الحقيقى هو الذى تنبع أفكاره من خلال المعاناة المرتبطة بفنه الشعرى . وأخيرًا يقول كومبرسون : إن أبيات القصيدة عبارة عن زنزانات فى سجن ، توجد الأفكار داخلها فى خزائن !


4 - ما هو دور الشعر فى حياة الناس ؟ من الممكن جدًا أن يعيش بعض الناس ، بل الكثير منهم بدون الشعر . فهو ليس خبزًا يوميا ، لكنه يمثل لطائفة من الأفراد ، فى كل العصور والمجتمعات – قدرًا من الإمتاع الذى يتمثل فى روح المشاركة. فأنت عندما تجلس فى رحلة قطار أو طائرة بجوار شخص ، من أى مكان فى العالم ، وتكون لديه بعض أفكارك وتصوراتك تحسّ بقدر كبير من الراحة ، بل من السعادة . ونفس الأمر يحدث عندما تقرأ أو تستمع إلى قصيدة شاعر من بلدك ، أو حتى من أى مكان فى العالم ، ثم تجده قد صور فيها شعورًا مر بك ، أو إحساسًا عانيته يوما ، أو فكرة جميلة طافت برأسك ذات مرة – فإنك تنجذب إلى تلك القصيدة ، ويسعدك أن تكررها مرارًا .


5 - لكن كما يكون بعض الشعر رقيقًا وناعمًا ، تقرأه وأنت فى سريرك قبل النوم ، يمكنه أيضًا أن يكون وحشيا وثوريا (وهذا ما يخيف منه السلطات) وقد استمعنا وشاهدنا أثناء ثورة 25 يناير 2011 بعض الهتافات (الشعرية) التى كانت تتردد فى مختلف ميادين مصر ، وهى بإيقاع موزون ، وذات قافيه محكمة ، وكيف كانت الملايين ، وليس الآلاف ، ترددها بحماس وإصرار حتى تحققت مطالبهم بإسقاط النظام الصارم ، الذى استمر لمدة ثلاثين عاما .. وفى اعتقادى أن الذين صاغوا تلك الهتافات هم شعراء على مستوى عال من الشاعرية ، ومشكلة النقاد عندنا أنهم لا يلتفتون إليهم ، ويتركونهم يغيبون فى زحمة الأحداث دون أن يسجلوا أسماءهم وأعمالهم فى صفحة ناصعة من التاريخ الأدبى للوطن !


6 - ويؤدى بنا ذلك إلى تأكيد أن الشعر يعتبر أحد المداخل الهامة للوقوف على روح الأمة ، تك الروح التى لا يستطيع العلم ، ولا حتى المعلوماتية الحديثة ، أن تبلغ أعماقها ، فضلا عن أن تحيط بأسرارها . صحيح أننا قد نتعرف على الشعوب الأخرى من خلال زيارتنا لها ، أو إقامتنا فيها ، أو قراءتنا عنها ، لكن هذه المعرفة تظل محصورة فى الشكل وليس المضمون ، فى الظاهر وليس الباطن ، فى الجسد وليس الروح.


7- ولما كان الشعر هو فيض الأحاسيس والمشاعر ، الممتزجة طبعا بالفكر ، فإنه هو الذى يدخل بنا عميقًا إلى تلك الأماكن البعيدة والخفية فى روح الأمة . وهو يختلف عن كل من العلم والفلسفة ، حيث يقوم العلم بوصف الظواهر ، وهى غالبًا حسية ، بموضوعية صارمة ، فيحدد لنا الخطوط والفواصل، ويبين الامتداد وارتفاع ، ويقيس المساحة والمسافات، فى حين تنكب الفلسفة على الأفكار المجردة : تستخرجها وتحللها ، ثم تصنفها وتقارن بينها على أساس منهج منطقى قاطع ، وأدلة عقلية محددة .. بينما يظل الشعر ذاتيا ووجدانيا ، وإذا تضمن بعض الأفكار فلكى يطعم بها بناءه الفنى، ويجعله أكثر وحدة وتماسكا .


8 - لكن الشعر الذى وصلنا ، وما زالت تتراكم دواوينه لدينا ، ليس كله فيض الروح . فالكثير منه بارد وماسخ ومتكلف. ومن هنا كان على نقاد الشعر أن يوضحوا للناس : الشعر الحقيقى من الزائف ، والأصيل من المقلد ، والعميق من السطحى . ولا شك أن بعض النقاد فعلوا ذلك ، لكن الكثير منهم تقاعسوا عنه ، وبددوا طاقاتهم فى أمور أخرى ، بل إن بعضهم اشتغل بالسياسة رغم حرصه على الاحتفاظ بلقب "ناقد" !


9 - وهنا حقيقة غائبة ، وهى أن الشاعر الجيد ليست كل قصائده بالضرورة جيدة . بل إن فيها الجيد والمتوسط والضعيف . كذلك فإن كل قصيدة على حدة تحتوى على جواهر وحصى .. أى على مستويات متفاوتة من النفَس الشعرى ، وقديما تحدث العرب عن بيت القصيد أو القصيدة ، وهو البيت الذى يتلألأ داخل القصيدة لما فيه من خصائص شعرية متفردة .. كذلك ينبغى ألا تخدعنا الشهرة الكاذبة أو المظاهر الخداعة . ولا أريد أن أذكر بالاسم شعراء حصلوا على شهرتهم الشعرية بوسائل أخرى غير شعرية ، كالعمل فى وسائل الإعلام، أو محاولة المظهر الغريب كان يحمل أحدهم عصا ، أو يضع حول رقبته كوفيه ملونة . وهناك مَنْ حصل على أعلى جائزة فى الشعر عن طريق التوسل للمحكمين بمرض فى القلب . ومن العجيب أن جميع المحكمين قد ماتوا ، وما زال هو حيا يرزق !


10 - إن أمثال هؤلاء جميعا سوف تكنسهم رياح التاريخ الأدبى ، وأنه لن يبقى من أشعارهم شىء تذكره الأجيال اللاحقة، تماما كما حدث نفس المصير لكثير من الشعراء العرب الذين نقرأ أسماءهم ومقتطفات من أشعارهم فى المصادر القديمة فلا نجد لها أثرًا فى نفوسنا ، ولا تأثيرا فى أرواحنا ، بينما الشعراء الحقيقيون ما زالوا يعيشون معنا بقصائدهم ، وحتى بأبياتهم القليلة ، مؤثرة فنيا ، وجارية على ألسنتنا !


11 - وهكذا تصبح الأمور محسومة تمامًا . فإما أن يكون القول شعرًا ، أو لا يكون .. فيصبح نطما . والنظم عبارة عن شعر موزون ، لكنه خال من العاطفة ، مجرد من الإحساس، وغالبًا ما يكون ساقطا من حيث الأفكار . وقد استخدمه بعض علمائنا القدامى لعمل منظومات وألفيات تساعد طلبة العلم على حفظ قواعده وتفريعاته ، مثل ألفية ابن مالك فى النحو ، وشاطبية ابن الجزرى فى القراءات ، ومنظومة ابن سينا فى الطب .. وقد انتهى هذا العمل بانتهاء أسبابه وأهدافه . لكن مأساة الشعر ظلت متمثلة فى أن كثيرًا من النظّامين قد حاولوا أن يكونوا شعراء ، ولم يكن الأمر سهلاً على الإطلاق . فقد جاء فى الأمثال العربية القديمة : "ليست النائحة كالثكلى" !


12 - وأنا شخصيا أذهب إلى أن ثورة الشكل التى حدثت فى الشعر العربى الحديث ، منتصفَ القرن العشرين ، كانت لها عوامل كثيرة ومتعددة ، ومن أهمها ما لحق بالشكل التقليدى الثابت للبحور الشعرية المنحصرة فى ستة عشر بحرا ، والتى استغلها أسوأ استغلال أولئك الشعراء - النظّامون ، فملأوها بالكلمات الموزونة دون أن يصبوا فيها شيئا من روح الشعر . وهكذا راحت القصائد تطول وتطول ، والقوافى الموحدة تتوالى وتتوالى .. وفى هذه الحال ، وجد (الشاعر – الناظم) نفسه مضطرًا إلى أن يحشر كلمة من أجل الوزن ، وأن يأتى بكلمة غير مناسبة من أجل القافية ، بينما ظل الشعراء الحقيقيون حريصين على تماسك البناء الشعرى من خلال وضع الكلمة المناسبة تماما فى مكانها المناسب ، دون أى تعسف أو تكلف أو اضطرار !


13 - وكما كانت (الموشحات الأندلسية) ثورة فى شكل القصيدة العربية القديمة ، أضافت إليها ولم تنتقص منها ، فإن القصيدة العربية الحديثة شهدت ميلاد (الشعر الحر) الذى كان نظامًا جديدًا يقوم على ركيزتين :
أ- جعل التفعيلة هى أساس السطر الشعرى .
ب- عدم التقيد بقافية موحدة ، مع إمكانية تعددها وتنوعها.
ومن الواضح أن الشعر الحر لم ينجح نظريًا فقط وإنما من خلال النماذج الجيدة التى قدمها شعراؤه الحقيقيون من أمثال بدر شاكر السياب ، وعبد الوهاب البياتى ، وصلاح عبد الصبور ، وأحمد عبد المعطى حجازى ، وأمل دنقل ، ومحمد إبراهيم أبو سنة ، وأمثالهم ، وكذلك مَنْ جاء بعدهم ، وسار على خطاهم ..


14 - وأخيرًا ظهرت (قصيدة) النثر) التى تخلت تماما عن الوزن والقافية ، وأصبحت سطورًا متتالية ، تعتمد أساسًا على الصور الشعرية ، وبلاغة الجملة العربية ، مفاجئة القارئ فى أغلب الأحيان بصدامها مع معتقداته السياسية والاجتماعية ، وأحيانًا الدينية .. وهذا ما جعل قراءتها محصورة حتى الآن فى دوائر ضيقة ، ربما تكاد تكون مقصورة على شعرائها دون أن تتجاوزهم إلى قطاع عريض من القراء .


15 - إن التطورات التى لحقت بالشعر العربى قد حدثت أمثالها فى الشعر الأجنبى : الفرنسى والإنجليزى والألمانى والإيطالى والروسى .. الخ ، لذلك ينبغى ألا يغضب أنصار الشعر التقليدى العربى مما يجرى . فالتطور فى شكل الشعر يأتى فى إطار اتجاه عالمى ، وهو فى نفس الوقت صيرورة تاريخية . وبدلاً من إهدار الوقت والجهد فى مقاومة التجديد والتحديث ، يصبح من الحكمة اتساع مجال النظر إلى الجديد باعتباره هرمًا جديدًا يضاف إلى الأهرامات القديمة ، وليس بديلاً عنها !


16 - وفى ختام هذه المقدمة ، أستطيع أن أؤكد أن الشعر سوف يظل أحد فنون الأدب ، يتوازى مع القصة والرواية والمسرحية ، ويتداخل أحيانا معها ، كما أنه لا يبتعد كثيرًا عن الخواطر والسيرة الذاتية ، ولا شك أنه يحمل فى ذاته عوامل بقائه واستمراره مع الإنسان ، منذ نشأ حتى اليوم . وإذا كان هناك مَنْ لا يميل إليه ، أو من يستبعده من حياته ، فإن الكثير من الناس ما زالوا يجدون فيه نوعًا من المتعة الوجدانية التى تهدهد أرواحهم المعذبة . وهناك مثل فرنسى جميل يقول : "إن المجتمع يحتاج إلى الشعراء ، كما أن الليل يحتاج إلى النجوم".

* *

 


المقدمة الثانية : حول ترجمة الشعر


1 - أولا : لماذا نترجم الشعر ؟ من المؤكد أن قراءة الشعر فى لغته الأصلية أفضل ألف مرة من قراءته مترجما فى لغة أخرى . لكن من يعرفون اللغات الأجنبية قلة قليلة ، والأقل منها من يستطيع أن يجرؤ على نقل قصيدة من لغة إلى لغة أخرى . فهذه العملية تتطلب الكثير من الصبر ، والبحث ، ومحاولة الفهم الأعمق ، وليس العميق فقط لمضمون القصيدة ، حتى لا يسقط منها معنى كلمة ، أو ظل لها .. ونحن نعلم أن الشعراء هم أكثر من يستخدمون اللغة فى غير ما وضعت له ، إما عن طريق أسلوب المجاز ، أو عن طريق كسر القواعد اللغوية المتعارف عليها . والأمران من حقهم تمامًا ، فالشعر أساسًا لغة ، بل إنه يكاد يكون "لغة داخل اللغة" ، وهذه لها نظامها الخاص ، وقانونها الخاص ، وأيضا حريتها الخاصة فى وضع كلمة مكان أخرى ، أو تحوير لفظ عن معناه ، أو استخدام أداة فى غير ما وضعت له .


2 - ولكى نجيب على السؤال المطروح ، نقول : إن كل الناس لا يعرفون كل لغات العالم ، بل إن افرادًا فقط هم الذين يعرفون بعض اللغات ، لذلك كان من واجب الذين يعرفون لغة أجنبية ، وفى نفس الوقت ، من حق أبناء الوطن عليهم ، أن يترجموا لهم هذا الفن الراقى من فنون الأدب ، وهو الشعر .. وبالنسبة إلى الأجانب ، فإننا قد نتعامل معهم سياسيا أو اقتصاديا أو عسكريًا أو ثقافيًا ، ويقتضى ذلك كله أن نجالسهم ونتحدث إليهم فى اجتماعات أو مؤتمرات ، لكننا لا نكاد نعرف شيئًا عن حقيقة نفوسهم ، وتطلعات أرواحهم التى تخفى علينا تماما ، ولا يكاد يظهرها إلا الشعر .. الشعر الذى كتبه شعراؤهم ليعبروا به عما يحزنهم ويسعدهم ، عما يرضيهم ويغضبهم ، عما يحسون به من الحب والكراهية ، والغضب واليأس ، والإحباط أو الأمل .. وهكذا فإن الشعر هو الذى يطلعنا على "دخيلة" غيرنا ، فنكون عندما نقرأه أو يترجم لنا على معرفة أكثر بهم ، وربما أمكننا ذلك من التواصل الجيد معهم ، بدلاً من أن نقف منهم موقف نفور قد يتحول إلى كراهية !


3 - ومنذ أكثر من قرنين ، أدركت أوربا أهمية ترجمه الشعر كمدخل لمعرفة الروح العربية ، فنقلت إلى لغاتها الكثير من الشعر العربى ، وفى مقدمته "المعلقات" التى هى أصعب ما فى الشعر العربى ، ولا يكاد يستوعبها أو حتى يقرأها العرب المعاصرون أنفسهم ، ثم راحت تدرسها ، وتحلل كل لفظه فيها، لكى تعرف من خلال ذلك كيف كان "يشعر" العرب القدماء ! أما نحن فما زلنا حتى الآن نتواصل مع أوربا ، والغرب عموما ، ثم الشرق مؤخرًا ، ولا نريد أن نتنبه إلى ترجمة أشعارهم ، القديمة أو المعاصرة ، لكى نتعرف على حقيقتهم ، التى تتجلى فى الشعر بدون زيف أو مراوغة .


وهنا أسأل وأتساءل : كم من السادة السفراء والدبلوماسيين المصريين والعرب يقرأ أشعار الشعوب التى يعملون فى بلادها ؟ وهل يدركون هذه الحقيقة المؤكدة التى تقرر أن روح الشعب تكمن فى قصائد شعرائه ؟!


4 - لكن ترجمة الشعر لا تنحصر فقط فى الإمتاع ، أو تحقيق التعارف الحميم بين الشعوب ، وإنما تتجلى كذلك فى إثراء الانتاج الأدبى المحلى بنماذج مختلفة من إبداعات الشعوب الأخرى . ومن المعروف أن الشعر يظل هو الشعر فى كل اللغات . وقديما كان أجدادنا العرب يعتقدون خطأ أنهم المتفردون وحدهم بفضيلة البيان ، وأن الشعر هو أكبر دليل على ذلك ، حيث كانوا يعتقدون أنه سمة تفردهم ، ومناط فخرهم، لكنهم مع الأسف لم يكونوا يعرفون أن الشعوب الأخرى، مثل الصينيين والهنود والفرس والإغريق .. لديهم أشعار مثلهم ، بل وتتفوق أحيانا عليهم . وكانت الفكرة السائدة منذ العصر الجاهلى – أن هذه الشعوب جميعًا من "الأعاجم" أى الذين لا يبينون القول ، وبالتالى كيف يصوغون الشعر ؟! وقد استمرت هذه الفكرة الخاطئة طويلاً ، حتى أن حركة الترجمة الواسعة فى عهد الخليفة العباسى ، المأمون (ت 218هـ) قد استوعبت الفلسفة والمنطق والكثير من علوم الأوائل .. باستثناء الشعر !!


5 - وقد استمر الحال على ذلك قرونا ، حتى بدأ التواصل الثقافى بين العرب والغرب فى مطلع العصر الحديث ، وأخذ الاهتمام بمعرفة اللغات الأجنبية ينمو فى كل من مصر ولبنان ، وراحت الترجمة تتسع فتشمل معظم الأجناس الأدبية ومنها الشعر .. حينئذ فقط شهد الشعر العربى نهضة كبرى ، تمثلت فى المسرحيات الشعرية التى كتبها أحمد شوقى ، نتيجه اطلاعه على المسرح الشعرى فى الغرب ، كما تجلت فى التجديد الذى أحدثته مدرسة أبوللو ، سواء فى مضمون القصيدة أو فى شكلها، كما ظهرت بوضوح فى حركة الشعر الحر ، وأخيرًا قصيدة النثر التى ما زال شعراؤها يحاولون ويجربون حتى اليوم .


6 - ماذا يحدث عندما نترجم الشعر ؟ من المؤكد أنه يفقد الكثير من دلالات الألفاظ ، وخاصة غير المباشرة ، كما تسقط منه التعبيرات الطازجة التى تحمل فى لغتها الأصلية الكثير من الإيحاءات التى تؤثر فى الشعب الذى كتب بلغته الشعر .. لكن الترجمه – حين تكون دقيقة وأمينة وواعية – فإنها تنقل البناء الفنى للقصيدة ، وكذلك الصور الشعرية التى تعد لبنات أساسية فيها ، كما أنها تحافظ على المضمون الشعرى الذى يتمثل فى رسالة الشاعر التى يريد أن يبلغها إلى قومه ، بل إلى الإنسانية جمعاء . وتلك كلها جوانب لا يمكن التقليل من شأنها ، عندما نحاول التعرف على الأعمال الشعرية لأمة من الأمم ، لا نتكلم لغتها ، ولكننا نسعى إلى نلم بومضة من روحها .


7 - أسس الاختيار فى ترجمة الشعر : هنا يظل الإعجاب الشخصى هو سيد الموقف . فأنا عندما أقرأ قصيدة بالفرنسية ، وأجدها قد أعجبتنى ، أتوقف أمامها طويلا ، بل وأعاود قراءتها مرات ، محاولاً بعد الاستمتاع بها أن أقف على جوانب الجمال فيها ، ثم أجدنى بعد ذلك مدفوعًا إلى مشاركة أكبر عدد من أبناء لغتى فى التعرف عليها ، والاستمتاع بها معى .. لذلك أقوم بترجمتها . ويمكن هنا أن أضع الشروط التالية :


أولاً : أن يكون مترجم الشعر شاعرًا ، والسبب فى ذلك أن الشعراء هم أفضل من يعرفون بعضهم بعضا ، ويدركون من الوهلة الأولى مدى الموهبة الشعرية التى يتمتع بها كل واحد منهم .


ثانيًا : أن يكون ناقدّا ، يمكنه أن يحدد قيمة الشاعر والقصيدة معا فى إطار التراث الشعرى ، وحتى لا تكون القصيدة مجرد تكرار ، أو نسخة أخرى من عمل سابق .


ثالثًا : أن يكون على مستوى جيد جدًا من معرفة اللغة المترجم منها ، وكذلك اللغة المترجم إليها. وكثيرًا ما قرأنا أشعارًا مترجمة لا يكاد مَنْ نقلها يجيد إحدى اللغتين !


رابعًا : أن يكون دقيقًا جدا ، وأمينا للغاية فى نقل معانى القصيدة وإيحاءاتها قدر الإمكان إلى لغته .


8 - أما بالنسبة إلى ترجمة الشعر بالشعر ، فهذا مالا أستسيغه ولا أحبّذه . بل إننى أراه نوعًا من التكلف الممجوج . لأنه يبتعد عن الترجمة الحقيقية للشعر خطوتين : خطوة حين يترجمه ، وخطوة أخرى حين يحاول صياغته شعرا . والمسألة فى تصورى مثل نقل طائر من قفص إلى قفص آخر !


9 - آفاق ترجمة الشعر : لا تتوقف ترجمة الشعر على التعريف بنماذج مختلفة من إنتاج شعراء الأمم الأخرى ، وهذا مفيد جدا للشعراء ، ولا على مجرد الاستمتاع بالعجيب والمبتكر منها ، وهذا يدفع للمنافسة وتحريك البركة الراكدة ، وإنما هى أيضا تفتح الباب واسعًا أمام دارسى الأدب المقارن الذين يهمهم متابعة وجوه التشابه والتقاطع بين الآداب العالمية . ولا شك أن "فرع" الأدب المقارن الذى انتقل إلينا من الغرب فى منتصف القرن العشرين ، وكان رائده المرحوم د0 محمد غنيمى هلال ، قد أتاح لدارسى الأدب العربى أنفسهم أن يعقدوا مقارنات مفيدة جدا بين الشعراء العرب ونظرائهم فى الأمم الأخرى من أمثال المعرى ودانتى ، وشوقى وشكسبير .. الخ ، وهو الأمر الذى ألفى مزيدًا من الضوء على أعمال محددة لدى هؤلاء العباقرة .


وسوف يجد القارئ لهذه القصائد التى قمت بترجمتها من الفرنسية نوعًا من القصد فى ترجمه بعض القصائد التى تصلح مادة للدراسات المقارنة وخاصة فى قصيدة (الجن لفيكتور هيجو ، وقصيدة (موسيقا من الجن) لمحمود حسن إسماعيل ، وكذلك الترجمة الشعرية التى قام بها الأخطل الصغير (بشارة الخورى) لإحدى قصائد الشاعر الفرنسى موريس ماترلينك .. ثم بكل تواضع ، قصيدتى النثرية بعنوان (الشاعر والقصيدة) مقارنة بقصيدة (لكى ترسم صورة لطائر) للشاعر الفرنسى جاك بريفير.
هذه القصائد المترجمه ..


10 - كما سبق أن ذكرت ، هى مجموعة من القصائد التى قرأتها بالفرنسية وبعضها لشعراء غير فرنسيين من ساحل العاج أو من بولنده ، وقد أعجبتنى، بعد أن وجدت فيها نفَسا شعريا خاصًا جذبنى إليها ، فأقدمت على ترجمتها راجيًا أن يشاركنى فى الإعجاب بها أبناء لغتى العربيه . وبالطبع تقع هذه القصائد فى دائرة الاختيار الشخصى، الذى أتحمل وحدى مسئوليته .


أما مصادر القصائد فهى إما من دواوين الشعراء ، أو المجموعات الشعرية التى ضمت مختارات من قصائدهم ، وخاصة فى (الكتاب الذهبى للشعر الفرنسى) :
Le Livre d’or de la poésie francaise
وكذلك المجلد الخاص بالشعر الفرنسى المعاصر :
Le Livre d’or de la poésie Francaise contemporaine
أو ما نشر فى بعض المجلات الأدبية ، والجرائد الفرنسية ..


والواقع أننى كنت أتمنى أن يقوم بهذه المهمة زملاء لى، كانوا يدرسون معى فى جامعة السوربون بباريس (1974-1981) وهم متخصصون أساسًا فى الأدب والنقد ، وقد توسمت فيهم النشاط والعطاء ، لكنهم عندما عادوا إلى مصر شغلتهم المكاسب المادية والإعارات الخليجية ، فتحولوا مع مرور الوقت إلى أثرياء بالمال ، فقراء بالروح !


على أية حال ، فإننى أرجو مخلصًا أن تجد هذه القصائد المترجمة من الفرنسية مكانها المناسب فى المكتبة العربية ، التى تحتاج إلى الكثير منها ، وأن يجد دارسو الأدب العربى ، والأدب المقارن مادة تساعدهم على الانطلاق نحو آفاق أكثر رحابة .. وأخيرًا وهو الأهم أن يجد القارئ العربى ، المحب للشعر عموما ، فى هذه القصائد بعض ما وجدته .


***********************

 

 

 

 

 

 


دائرة حول العالم ..


بول فور

 


إذا مدّت كل فتيات العالم أيديهن
حول البحر ،
فإنها ستصنع دائرة ..
وإذا أراد كل رجال العالم
أن يكونوا حقا بحارة ،
فإنهم سيصنعون بقواربهم
ميناءً جميلاً فوق الموج ..
وحينئذ
سيكون من الممكن
إذا مدّ يده كلُّ منا ..
أن نقوم بجولة حول العالم !

 

 

 

 

 

 

الحريـة


بول إلوار

 

على كراسات المدرسة
على قمطرى ، والأشجار
على الرمل والغمام
أكتب اسمك
* *
على كل الصفحات المقروءة
على كل الصفحات البيضاء
على الحجر ، الدم ، الورق ، أو الرماد
أكتب اسمك
* *
على الصور المذهّبة
على أسلحة المحاربين
على تاج الملوك
أكتب اسمك
* *
على المستنقع ، والصحراء
على الأعشاش والفراشات
على أصداء طفولتى
أكتب اسمك
* *
على عجائب الليالى
على خبز الأيام الأبيض
على الفصول المتداخلة
أكتب اسمك
على كل قصاصاتى الفيروزية
على مستنقع الشمس المتعفن
على بحيرة القمر الحىّ
أكتب اسمك
* *
على الحقول ، على الأفق
على أجنحه الطيور
وعلى طاحونة الظلال
أكتب اسمك
* *
على كل أنفاس الفجر
على البحر ، وعلى السفن
على الجبل المجنون
أكتب اسمك
على رغوة السحب
على حبات عرق العاصفة
على المطر المتخثر والماسخ
أكتب اسمك
* *
على الأشكال المتلألئة
على أجراس الألوان
على الحقيقة الفيزيقيه
أكتب اسمك
* *
على الممرات الساهرة
على الطرق الممتدة
على الميادين المكتظة
اكتب اسمك
* *
على المصباح الذى يضىء
على المصباح الذى ينطفئ
على بيوتى المجتمعة
أكتب اسمك
* *
على الفاكهة المقطوعة نصفين
من المرآة ، ومن حجرتى
على سريرى المتقوقع الفارغ
أكتب اسمك
* *
على كلبى الأكول والرقيق
على آذانه المتأهبة
على خطواته الحمقاء
أكتب اسمك
* *
على بابى المرتجف
على الأشياء المألوفة
على زحف النار المباركة
أكتب اسمك
* *
على كل جسد ممنوح
على جبهة أصدقائى
على كل يدٍ تمتد ..
أكتب اسمك
* *
على زجاج المفاجآت
على الشفاه المنتبهة
جيدًا فوق الصمت
أكتب اسمك
* *
على ملاجئى المحطمة
على متاراتى المنهارة
على جدران همومى
أكتب اسمك
* *
على الغياب دون رغبة
على الوحدة العارية
على خطوات المدن
أكتب اسمك
* *
على الصحة المستردة
على الخطر المختفى
على الأمل بدون ذكرى
أكتب اسمك
* *
وبقوة الكلمة
أبدأ حياتى من جديد
أولد لكى أعرفك ،
لكى أدعوك :
حرية !

 

 

 

 


أنتِ وجدتنى


أراجون

 


أنتِ وجدتنى مثل الحجر الذى يلتقطه الناس من فوق الشاطئ
مثل شىء غريب ـ مفقود ، لا أحد يمكنه أن يستخدمه
مثل طحلب مطروح فوق أرض سبخة
مثل الضباب الذى لا يطلب أكثر من أن يدخل النافذة
مثل فوضى فى حجرة فندق لم يتم ترتيبها
مثل ورق به بقايا دهون ، ملقى فى اليوم التالى للعيد
مثل مسافر بلا تذكرة ، جالس على رصيف قطار
مثل شبكة صيد جرفتها مياه الأنهار الرديئة فى حقولها المهجورة
مثل دمية من الخشب كسرتها ، بعد أن ارتطمت بها ، مصابيح السيارات
مثل ساهر ليل ، يعود منه فى صباح يوم باهت
مثل حلم مشتت فى ظلام السجون الأسود
مثل جنون طائر محبوس فى منزل
مثل الأثر المحمر لخاتم فى إصبع عاشق مخدوع
مثل خطاب ممزق ، ومنتشر فى رياح الشوارع
مثل آثار مسمار على الأيدى ، تركها الصيف الراحل
مثل النظرة التائهة لكائن يرى أنه ضاع ..
مثل الحقائب المتروكة تعانى فى محطة قطارات .
مثل باب فى مكان ما ، أو ربما ضلفة شباك تصطفق
مثل أخدود فى قلب ، أو فى شجرة ضربتها صاعقه
مثل حجر بجانب الطريق فى ذكرى شىء ما
مثل شر لم يختف منه لون ازرقاق الدم من اللطم
مثل عروس البحر التى لا فائدة منها ، المرسومة على مركب فى عرض البحر
مثل ذكرى سكين اخترق اللحم .. بعد زمن طويل
مثل حصان فر ليشرب الماء المالح من أرض سبخة
مثل مخدة تهرأت بسبب ليل ملىء بالكوابيس
مثل سب الشمس مع وجود رمد فى العينين
مثل الغضب الظاهر ، الذى لم يغيره شىء تحت السماوات
* *
أنت وجدتنى فى الليل .. مثل حديث لا يمكن إصلاحه
مثل غريب تائه ، ولكى ينام استلقى فى الاصطبل
مثل كلب مطوق بسلسلة عليها حروف أسماء أصحابه
مثل رجل من أيام زمان ، ممتلئ بالخوف والصخب
* * *

 

 

 

 

 

 

زانجرا


للشاعر والمطرب
جاك بريل

 


اسمى زانجرا ، وأنا ملازم
على جبهه بيلونزيو ، التى تطل على السهل
حيث سيأتى العدو ، الذى سيجعل منى بطلا
فى انتظار هذا اليوم ، أشعر أحيانا بالضجر
حينئذ أذهب إلى القرية لمشاهدة الفتيات
لكنهن يحلمن بالحب ، وأنا أحلم بالخيول !
* *
اسمى زانجرا ، وأنا الآن كابتن
على جبهه بيلونزيو التى تطل على السهل
حيث سيأتى العدو ، الذى سيجعل منى بطلا
فى انتظار هذا اليوم ، أشعر أحيانا بالضجر
عندئذ أذهب إلى القرية لرؤية الفتاة : كونسيلو
لكنها تحدثنى عن الحب ، وأنا أحدثها عن الخيول
* *
اسمى زانجرا ، وقد أصبحت كولونيلا عجوزا
فى قلعة بيلونزيو التى تطل على السهل
وحيث يأتى العدو الذى سيجعل منى بطلا
فى انتظار هذا اليوم ، أشعر أحيانا بالضجر
عندئذ اذهب إلى القرية لكى أرى أرملة (بيدرو)
أنا أحدثها أخيرًا عن الحب ، وهى تحدثنى عن الخيول !
* *
اسمى زانجرا ، وبالأمس أصبحت جنرالاً عجوزًا جدا
لقد تركت (بيلونزيو) التى تطل على السهل
والعدو هنا .. ولن أصبح بطلا !!
* * *

 

 

 

 

 

الأغنية الخالدة


للشاعرة ديزمون جيرار

 


فى شهر مايو .. وفى الحديقة التى تمتلئ بالشمس
سوف نذهب لندفئ أعضاءنا المرتجفة
ما أروع عودة الربيع ، حين تضم قلبينا فى عيدها !
سوف نحس بأننا ما زلنا بعد .. عاشقين فتيين
أبتسم لك ، ورأسى كله يهتز
وسوف نكون زوجين فاتنين من العجائز
نتبادل النظرات ، جالسين تحت شجرتنا العتيقة
بعيون صغيرة .. مضينة ولامعة !
عندما تصبح شيخا ، وأصير عجوزا
عندما يصبح شعرى الأشقر .. شعر أبيض !
على أريكتنا المألوفة ، والمخضوضرة
على أريكة الزمن الماضى .. سوف نعود لنتحدث
فى هدوء بالغ ، سوف نتمتع ، ونحن ننتظر،
بتلك العبارة التى تنتهى غالبا .. بقبلة !
فى الزمن الماضى ، كم من المرات قلتُ لك : "أحبك"
حينئذ ، وبعناية كبيرة ، سوف نعدها ..
سوف نعود لنتذكر آلاف الأشياء ، حتى ..
تلك الأشياء التافهة ، والبريئة .. ونثرثر حولها !
وعندما تبدر منا مداعبة لطيفة
سوف يسقط من بين شعورنا البيضاء .. شعاع وردى !
عندما تصبح شيخا ، وأصير عجوزا
عندما يصير شعرى الأشقر .. شعرا أبيض !
* *
مع كل يوم ، أحبك أكثر
اليوم أكثر من الأمس ، وأقل جدا من الغد !
لن يقلقنا حينئذ .. إلا تجاعيد الوجه
لكن حبى ساعتها سوف يكون أقوى ، وأصفى ..
يفكر فى الربيع الممتد .. داخل قلوبنا
ذكرياتى عن نفسى .. سوف تكون هى ذكرياتى عنك
تلك الذكريات المشتركة الدائمة .. التى تربطنا بقوة
وبدون انقطاع .. تغزل لنا روابط أخرى ..
* *
حقيقة ، سنصير عجائز ، عجائز جدا ، وضعفاء من الشيخوخة
لكننى كل يوم ، وبقوة أكثر ، سوف أضغط على يدك
حتى ترى ، فى كل يوم ، أننى أحبك :
اليوم أكثر من الأمس ، وأقل جدا من الغد !
* *
من هذا الحب الغالى ، الذى يعبر مثل حلم ..
أود لو احتفظت بكل ذرة منه فى أعماق قلبى
ولو أمكن .. احتفظت بكل انطباع بسيط للغاية
لكى أتمتع به فيما بعد ، فى هدوء مثل النخيل
وأكتنز منه بكل حرص ، لأيامى القادمة ..
عندئذ سوف أكون أغنى الناس ، بثروتى النادرة :
من الذهب الخالص .. فى حبى الفتى .
وهكذا من ماضى السعادة المكتمل ..
سوف استعيد كل الرقة من ذلك الحب الغالى
الذى يعبر مثل الحلم
والذى احتفظت بكل ذرة منه فى أعماق قلبى ..
عندما تصبح شيخا وأصبر عجوزا
عندما يصير شعرى الأشقر .. شعرا أبيض!
فى شهر مايو وفى الحديقة التى تمتلئ بالشمس
سوف نذهب .. لندفئ أعضاءنا المرتجفة
ما أروع عودة الربيع ، حين تضم قلبينا فى عيدها !
* *
وسوف تحدثنى عن الحب بصوت متهدج
ونحن نتبادل النظرات ، تحت شجرتنا العتيقة
بعيون مليئة بالدموع .. على عمرنا فى العشرين !
* *
عندما تصبح شيخا ، وأصبر عجوزا
عندما يصير شعرى الأشقر .. شعرا أبيض
* * *

 

 

 

 

البقعة السوداء

جيرار دى نرفال


الذى حذق منا مباشرة فى قرص الشمس
يتأكد من أنه رأى أمام عينيه تطير باصرار ،
وحوله فى الجو .. بقعةٌ سوداء
* *
وهكذا عندما كنت صغيرا ، وأكثر تهورا
جرؤت أن أحدق بعينىّ للحظةٍ فى المجد
وقد ظلت بقعة سوداء داخل عينىّ الطموحتين
* *
منذ ذلك الوقت ، وكعلامة حزن
فى كل مكان ، حيث يقع بصرى على أى موضع
أراها أيضا تظهر تلك البقعة السوداء !
* *
وهكذا دائما .. يستمر الحال بينى وبين السعادة
آه .. إنه الصقر وحده – يا بؤسنا نحن البشر ! –
هو الذى يتأمل بدون عواقب : الشمس والمجد
* * *

 

 

 

 

 

حلمى المعتاد


فيرلين



إننى أرى دائمًا هذا الحلم الغريب والمتكرر
لامرأة مجهولة .. أحبها وتحبنى
وهى لا تظهر فى كل مرة كما هى
كما أنها أيضا ليست امرأة أخرى ،
وهى تحبنى وتفهمنى
* *
ولأنها تفهمنى ، فهى وقلبى يشفّان
من أجلها وحدها ، مع الأسف ! لا توجد مشكلة
من أجلها وحدها ، وتجاعيد جبهتى الشاحبة
هى وحدها التى تعرف كيف تنشطها ، وهى تبكى ..
هل هى سمراء ، شقراء ، وردية ؟
اننى أجهل ذلك
اسمها .. إننى أتذكر أنه ناعم ورنان
مثل أسماء أولئك المحبوبين ،
الذين استبعدتهم الحياة !
* *
نظراتها تشبه نظرات التماثيل
وبالنسبة لصوتها البعيد ، والهادئ ، والخطير
فإن له تأثير الأصوات الأثيرة لدينا ،
والتى تؤثر الصمت !

 

 

 

 

 

بمناسبة العيد


للشاعرة آن هيبير



الشمس تشرق
الشمس تشرق
العالم مكتمل
والحديقة مستديرة
* *
أشعلتُ
شمعتين
مثل زهرتين صفراويْن
* *
النهار يفسُد
نيران الليل
زهرتان ذابلتان
ذواتا سيقان ذابله
* *
العالم منظم
الموتى تحت
والأحياء فوق
* *
الموتى يزورننى
العالم منظم
الموتى تحت
والأحياء فوق
* *
الموتى يضجروتنى
الأحياء يقتلوننى
لقد أشعلت
زهرتين مرتعشتيْن
ووضعت عينى
فى يدىّ
مثل حجارة من الماء !
* *
ورقصت
بحركات مجنونه
حول دموعى
بمناسبة العيد
* * *

 

 

 

 

 

الذكريات


هنرى باتاى



الذكريات هى تلك الغرف التى بدون أكر
غرف خالية ، لا نجرؤ أن ندخلها
لأن آباءنا ماتوا من قبل فيها
ونحن نعيش فى البيت الذى توجد فيه هذه الغرف مغلقة !
نحن نعلم أنها هنا كعادتها
هذه هى الغرفة الزرقاء ، وتلك الغرفة الوردية
المنزل تنتشر فيه الوحدة
ونحن ما زلنا نعيش فيه مبتسمين
وأنا أستقبل الذكرى التى تعبر بإرادتها
أقول لها : ابقى هنا .. سوف أعود لأراك
أنا أعلم – طوال حياتى – أنها مرتاحة هنا
لكننى أنسى أحيانا – أن أعود لأراها
إنها كثيرة وتقيم فى مسكنها القديم
لكنها محكوم عليها بأن ننساها
وإذا لم أعد فى هذا المساء ، أو فى غيره
فإنها لا تطلب من قلبى أكثر من أن أتركها حية !
أنا أعلم أنها تقيم هنا خلف الحوائط
ولم تعد بى حاجة إلى أن أذهب لأتعرف عليها ..
* *
من الطريق ، أشاهد نوافذها الصغيرة
وسوف يظل هذا حتى نموت فيها
ومع ذلك ، فأنا أشعر أحيانا بالظلال اليوميه
ولا أدرى : أى قلق بارد ، وأى قشعريرة ؟
ولا أفهم من أين تأتى هذه الآلام
إننى انتقل
وفى كل مرة ، يبدو أنه الحداد
وهو اضطراب يأتى فى السر ليخبرنا
بأن احدى الذكريات تموت ، أو قد ماتت ..
ونحن لا نميز جيدا : عن أى ذكرى نتحدث ؟!
لأننا قد أوغلنا كثيرا فى الشيخوخة ،
ولم نعد نتذكر شيئا
ومع ذلك ، فإننى أحس فى أعماقى ،
أن أجفانى تنغلق !
* * *

 

 

 

 

 

لست سعيدًا


جول رومان

 



لست سعيدًا
مثل كثير من الناس
مع أن روحى فى هذا المساء
تتمتع بصفاء كامل !
* *
بينما كنت أحلم
بالكثير من الثروات
قلبت مصباحى
فانكسر نصفيْن
* *
ها أنا .. دون ضوء
والأكواب على الطاولة
فى ليلة عاصفة
لا يعرفنى فيها أحد !
* *
إننى آسف على قرية
فى أسفل جبل ميزين
كنت فيها سعيدًا ذات مساء
حين كان عمرى خمسة عشر عاما
* *
كان ذلك الشفق
هادئا جدا ، ومؤثرا للغاية
تلك كانت قرية
حانية جدًا على طفل ..
* *
عندما تحليت بالقوة
لكى أتذكرنى ..
بكيت طويلا
وكفى على قلبى
* *
فيم تفيد الدموع
إذا لم نبك
وخاصة إذا كان الإنسان وحبذا ، بلا أمل
مع حزن عميق ؟!
* *
وأن يعود من جديد
ليكتب عن حزنه
فوق قطعة من الورق النشاف ،
يسقط عليها ضوء القمر
* *

 

 

 

 

حـزن


الفريد دى موسيه


لقد فقدت قوتى ، وحياتى
أصدقائى ، وفرحى
لقد فقدت حتى فخرى
الذى أقنع الناس بعبقريتى !
* *
عندما أدركت (الحقيقة)
اعتقدت أنها صديقتى
وعندما فهمتها وشعرت بها
سئمت منها ، وازدريتها !
* *
ومع ذلك ، فهى خالدة
وأولئك الذين اشتهروا بها
قد جهلوها تماما ..
* *
الله يتكلم ،
وينبغى علينا أن نجيبه
إن الخير الوحيد المتبقى لى فى هذا العالم
أننى – أحيانا – أبكى ..
* * *

 

 

 

 

أنا ميت


رينيه دومال

 


أنا ميت ، لأننى فقدت الرغبة
وقد فقدت الرغبة لأننى اعتقدت امتلاك كل شىء
ولأننى اعتقدت امتلاك كل شىء ، فلم أحاول أن أعطى
وعندما حاولت العطاء ، لم يكن لدىّ شىء !
ولأنه لم يكن لدىّ شىء فقد حاولت أن أمنح نفسى
وعندما حاولت منْح نفسى ، لم يكن لدى شىء !
وحيث أننى لم يكن لدىّ شىء ، فقد وُجدت الرغبة
وبناء على وجود الرغبة ، فإننا نعيش ..

 

 

 

 

الأرض


ماكس جاكوب

 


طيرى بى فوق شموع الأرض السوداء
فوق قرنيْها الساميّن
لا يوجد سلام فوق ثعابين الأرض
الأرض (عباره عن) فم كبير ملوث
زغطّاتها ، وضحكاتها بحلق واسع شره
سعالها ، رائحتها ، غطيطها عندما تنام
تسحق روحى ! اجذبينى للخارج
اقلبينى ، الكمينى ، وأنت أيتها الأرض اطردينى
إلى "ما فوق الطبيعة" ، حيث اركز رايتها الحريرية
وتلصقنى الريح الشديدة فى ثناياها التى تتموج
إننى أرتجف من الخلافات الحربية مع نفسى
وأنا مثل بكرة ، سيارة متفسخة
ولا أستطيع أن أنام إلا فى وضوحك
إننى أحسدك أيتها العنقاء ،
وأيها الدرّاج الذهبى ، وأيتها النسور
أعطينى غطاء طائرًا يحملنى
فوق الرعد ، خارج كريستال أبوابك
* * *

 

 

 

 

اعتذار لفنان

كورنىْ

 


أنا أعرف ما أريد ، وأعتقد فيما يقولونه عنى
ولكى أدهش الناس ، فإننى لا أسعى لتكوين عصبةٍ لى
أمتلك صوتا ضئيلا بالنسبة إلى ، لكنه ليس مخادعًا على الإطلاق
وطموحى – لكى يحدث مزيدًا من الضجيج –
ألا أدعه أبدًا ينحدر من تناقص إلى آخر ..
إن عملى غير المدعوم يصعد على المسرح
وبمنتهى الحرية ، قد ينتقده البعض ، ويمتدحه آخرون
هنا .. حيث يعبر أصدقائى عن مشاعرهم
أحصل أحيانًا على كثير من التصفيق
هنا .. حيث أسعد بالنجاح الذى تستحقه موهبتى
من خلال بعض الآراء المتميزة ، لكنى لا أدهش أحدا
أنا أرضى الجميع : الناس والمتعاطفين معى
وأشعارى فى كل مكان : هم أنصارى الوحيدون
بجمالها وحدها ، وبريشتى التى يتم تقديرها
لا أدين بسمعتى إلى أحد غيرى ..
ومع ذلك فإننى أؤمن بعدم وجود منافس لى
وأخطئ عندما أتعامل معه كمساوٍ لى ..
* * *

 

 

 

 

أشكرك يا إلهى

للشاعر برنار داوى
(من ساحل العاج)


أشكرك يا إلهى .. لأنك خلقتنى أسود
لأنك جعلت منى
مجموع كل هذه الآلام
المتراكمة على رأسى ،
العالم .
أن لى شعر سينتور(1)  كائن خرافى  نصفه حصان ، والنصف الآخر إنسان .
وقد خدمت العالم منذ الصباح الأول
* *

الأبيض هو لون الظروف العارضة
بينما الأسود هو لون كل الأيام
وأنا آخدم العالم منذ المساء الأول
* *

أنا مسرور
من شكل رأسى
الذى صنع ليخدم العالم
أنا راضٍ
من تركيبة أنفى
الذى ينبغى عليه أن يستنشق كل رياح العالم
أنا سعيد
من شكل ساقىّ
اللتيْن هما جاهزتان لتجتازا كل مراحل العالم
* *
أشكرك يا إلهى .. لأنك خلقتنى أسود
وجعلت منى
مجموع كل الآلام
سته وثلاثون سيفا اخترقت قلبى
ستة وثلاثون سيخ شواء .. حرقت جسدى
ودمى على الصلبان صبغ السحاب باللون الأحمر
ودمى على كل أشجار اللافندر ..
صبغ الطبيعة باللون الأحمر
* *
وأنا بالرغم من كل ذلك
فرح لأن أخدم العالم
فرحٌ بيدىّ القصيرتيْن
بذراعىّ الطويلتيْن
بغلظ شفتىّ !
* *
أشكرك يا إلهى .. لأنك خلقتنى أسود
الأبيض هو لون الظروف العارضة
الأسود هو لون كل الأيام
وأنا أخدم العالم منذ فجر الزمان
وضحكاتى على العالم فى الليل هى التى تخرج الصباح!
أشكرك يا إلهى . لأنك خلقتنى أسود
* * *

 

 

 

 

 

الجـن

فيكتور هيجو


جدران ، مدينة
وميناء
ملجأ
ميت
بحر رمادى
حيث يعبره النسيم
الكل نائم
* *
فى السهل
تولد ضجة
إنها نكهة ..
من الليل
وهى تتهادى
مثل روح
تتبعها دائمًا شعلة !
* *
الصوت يعلو
يشبه صرصورا بريا
يقفز من العدم
بل هو أسرع
يهرب ، ويندفع
ثم فى إيقاع
على قدم ترقص
فوق الموج
* *
الضجة تقترب
الصدى يكررها
تشبه صوت جرس
من كهف ملعون
إنها مثل ضجة جيش
يدق ، ويدور
حينًا يهدأ
وأحيانا يتعاظم ..
* *
يا الهى ! الصوت القادم من المدافن
إنهم الجن ! … أى ضجة يحدثونها
فلنفتش فى عمق السلم الحلزونى
آه .. لقد انطفأ مصباحى
والظلام على الدرابزين
يصعد على امتداد الحائط
حتى السقف
* *
إنها شرذمة من الجن تمرّ
وهى تتموج مصدرةً صفيرا
وتحطم فى طيرانها أشجار الزينة
مطرقعة ، كمن يقرقش خبزا محروقا !
* *
قطيعها الثقيل والسريع
الطائر فى الفضاء الفارغ
يشبه غمامًا كابيا
مثل من يحمل سلما فى حضنه
* *
إنهم قريبون جدًا – فلنغلق على أنفسنا
هذه الصالة ، حيث نزدريهم
أى ضجة فى الخارج ! جيش بشع
مصاصو دماء ، ومجموعة من التنين
كمرات السقف تكاد تنتزع
وتلتوى مثل عشب مبتل
والباب القديم المهترئ
يهتز ، ويكاد ينخلع من مفاصله
* *
صيحة من الجحيم !
صوت يعوى ويبكى
الشرذمة البشعة مدفوعة بريح الشمال
بدون شك – أيتها السماء – تضرب على منزلى
وحائطى امتلأ بالسهام من فعل تلك الكتيبة السوداء
المنزل يصرخ ، والشمعدان يسقط
ويمكن القول إنه من التربة المنتزعة
كمن يطارد ورقة شجر جافة
تديرها الريح فى طاحونتها
* *
أيها النبى ! إذا أنقذتنى يدُك
من هذه الشياطين المدنسة
فإننى سوف أذهب لانحنى بجبهتى الصلعاء
أمام مباخرك المقدسة
(أرجوك) أن تعمل
لكى تصمد هذه الأبواب الوفية
ولا تطفئ أنفاسها الشموع
وتذهب عبثا خفقات أجنحتها
التى تصرّ ، وتصرخ على زجاج الأبواب الأسود
* *
لقد مروا !! كتيبتهم
طارت ، وهربت ، وأقدامهم
توقفت على الضرب فوق بابى
من ضرباتهم المتكررة
أصبح الجو مليئا بضجيج السلاسل
وفى الغابات القريبة
تنكسر كل السلاسل الكبرى
نتيجة طيرانها النارى المتلوّى !
* *
من أجنحتها المتباعدة
الخفقات تقل
غامضة جدًا فى السهول
ضعيفة جدًا ، كما يعتقد
يُسمع صوت صرصور الليل
يصرخ بصوت دقيق وحاد
كما تطقطق حبّات البرَد
على رصاص السقف العتيق
* *
مقاطع غريبة
ما زالت تأتى إلينا :
هكذا مثل العرب
عندما ينفخ فى الصور !
غناء على الساحل الرملى
يرتفع للحظات
والطفل الذى يحلم
يصنع أحلامًا من الذهب !
* *
الجن الجنائزى
أبناء تريباس
trepas
يسرعون خطاهم
حشدهم المزمجر
العميق جدا
يشبه ضجيج موجةٍ
لا نراها
هذه الضجة للموجة
التى تنام
تلك الموجة
تنتهى عند الشاطئ
ذلك النوْح
الذى يكاد يكون مكتوما
من قديسة
على ميت !
هناك شك
الليل ...
أنا أصغى
الكل يهرب
الكل يمر
الفضاء :
يمسح
الضجة
****

 

 

 

 

 

أنا أعرف

كلمات الشاعر
الفرنسى جان لوب دابادى



عندما كنت ضخمًا ، وعاليًا مثل ثلاث شجرات من التفاح
كنت أتحدث بصوت عال ، حتى أبدو كرجل..
كنت أقول : إننى أعرف .. أعرف ، أعرف ، أعرف..
تلك كانت البداية ، وذلك كان الربيع
لكننى عندما بلغت الثامنة عشرة
قلت : إننى أعرف
نعم ! هذه المرة أنا أعرف !
* *
واليوم
وحيث دارت بى الأيام
انظر إلى الأرض التى عبرت عليها مئات الخطوات
وأنا لا أعرف أبدًا
كيف تدور ؟!
* *
كل ما تعلمته
ثلاث أو أربع كلمات :
اليوم الذى يحبك فيه أحد ، يصبح الجو جميلا
ولا يمكننى أن أقول أفضل من أن الجو يصبح جميلا جدًا..
* *
كذلك .. ما يدهشنى فى الحياة -
أنا الذى أقف على خريف عمرى –
اننا كثيرًا ما ننسى ليالى الحزن
لكننا لا ننسى صباحًا واحدًا من السعادة
* *
طوال شبابى ، أردت أن أقول : إننى أعرف
ومع ذلك ، فقد بحثت كثيرًا ، ثم لم أعرف إلا القليل
خمسون دقة رنتها ساعة الميدان
وأنا ما زلت فى نافذتى : أنظر وأتساءل :
الآن .. أنا أعرف
أعرف أننا لا نعرف أبدا
الحياة .. الحب .. النقود .. الأصدقاء .. الورود
لا نعرف أبدًا ضجة الأشياء ، ولو لونها
هذا كل ما أعرف .. لكن هذا هو ما أعرفه !
* * *

 

 

 

 

 

العجـوز


فرانسوا بيرانجيه


كم منّا رأى
العجوز الذى يعبر الشارع
بشعا ومكفهرا
قد لفظته المدينة :
الشارع ، الناس ، العالم
كلها تسرع بالنسبة إليه
فى عينيْه الغائبتين من الطفولة
لا يعبر سوى الهلع من الزمن !
ولكى يهبط أو يصعد
ست درجات من السلم
يحتاج إلى دهر كامل ..
ما الخطأ الذى ارتكبه
ذلك العجوز ، الذى يجرجر أعضاءه البالية المتهرئه ؟!
* *
كم منا تقدم
بأى شىء لكى يلمسه
بإشارة أو كلمة أو ابتسامة
لكى يربطه بنا ؟!
إن الشيخوخة تجعلنا ترتجف
إننا لا نريد أن نعتقد فى الأسوأ
عيوننا لا تمسك منها
سوى بصورة غير حقيقية
عجوزى أنا
كل شهر
يسير بخطوات مضطربة نحو مسكنه (بنسيون)
حيث يأكل وهو عائد
كرة من الأيس كريم عند بائع فى المنعطف
* *
عندما أصبح عجوزًا ، ووحيدا
غدًا أو بعد غد
سأرغب ، مثل هذا العجوز
على الأقل ، مرة فى كل شهر ،
مع قروشى القليلة ، إذا كانت معى ،
أن أشترى لنفسى كرتين من الآيس كريم
وأحلم فى نكهتهما
بعالم ملىء بالأطفال ..
لكن ، ربما بالنسبة لنا
نحن عجائز الغد
ستكون الحياة مختلفة
فلنأخذ منها الآن ،
نحن بأنفسنا ودون انتظار لاستعادة الحاضر
* *
إننى أعطى – لكل من يبتسمون
والذين من حقهم أن يبتسموا –
موعدًا بعد خمسة وثلاثين عاما
لكى نتحدث معا .. عن الزمن الجميل !!
* * *

 

 

 

 

 

الفارّون

للشاعرة ماريان فان هيرتون


نحن نريد مغادرة العائلة الأم
وكذلك برارينا الأم
حيث السماء لم تعد لها سلالم
مناسبة للأطفال ، وللتمرد
نحن نريد مغادرة
المنزل البربرى ، والخالى من الخيال
الذى يحتوى على أصابع النار ، والملاقط ، والشعلات
إن الريح المتمردة ستكون بالنسبة للقلب
موسيقى أخرى
وهاهو الربيع ، الذى كنا ننتظره
أمام مدخل كل منزل
إننا نحن الطيور
نحن الخبز الحىّ المختبئ تحت الأرض
لقد ابتهلنا أن تدخل الزهور
الممتدة على الجدران .. إلى غرفتنا
إن بذور هذا الصيف وعدت بأن تكون وفيّة
ونحن ربطنا بالأعنة ..
الخيول الكبيرة التى تركض
لكن هذه الطيور ، وهى تلتفت برأسها للخلف
قد فرت للسفر ..
نحن الأيامى ، محرومون من الحياة ، وتأنيب الضمير
سوف نذهب إلى بلاد ليس بها طرق ،
سكارى ومسرورين
أنا لا أملك جبهة صارمة ، ولا عينا حمراء
أنا لم أكن فى يوم من الأيام معاقبة
كما أننى لم أذنب قط
- أننى اللون الأخضر للأرض
* * *

 

 

 

 

 

 

سبع أمنيات

للشاعرة كلير جول


أن أكون عصابة ملفوفة حول جبهتك
قريبة جدًا من أفكارك !
* *
أن أكون حبة ذرة
تسحقها أسنانك مثل قطة متوحشة !
* *
أن أكون فى رقبتك التركوازية
ساخنة من عاصفة دمك !
* *
أن أكون حريرًا متعدد الألوان
من نسيج يتسرب من بين أصابعك !
* *
أن أكون قميصًا من المخمل
يتجاوب مع تدفق قلبك !
* *
أن أكون رملاً فى حذائك
يجرؤ أن يربت على أصابع قدميك
* *
أن أكون حلمك الليلى
عندما يتأوه بين ذراعيك أثناء النوم !
* * *

 

 

 

 

 

شئون عائلية

جاك بريفير


- الأم تشتغل بالتريكو
والإبن بالحرب
الأم تجد ذلك طبيعيا
والأب .. ماذا يفعل الأب ؟
إنه يشتغل بالأعمال الحرة
زوجته تشتغل بالتريكو
وابنه بالحرب
وهو بالأعمال الحرة
الأب يجد ذلك طبيعيا
فماذا يجد الابن ؟
الابن ، لا يجد شيئا على الإطلاق
الابن ، أمه تشتغل بالتريكو ، وأبوه بالأعمال الحرة ، وهو بالحرب
عندما تنتهى الحرب ،
فانه سوف يشتغل ، مع أبيه ، بالأعمال الحرة
الحرب تستمر ، الأم تشتغل بالتريكو
الأب يستمر فى الاشتغال بالأعمال الحرة
الابن يُقتل .. لم يعد يوجد !
الأب والأم يذهبان إلى المقابر
إنهما يجدان ذلك طبيعيا : الأب والأم
الحياة تستمر ، الحياة مع التريكو والحرب والأعمال الحرة
الأعمال الحرة ، الحرب ، التريكو ، الحرب ..
الأعمال الحرة ، الأعمال الحرة ، الأعمال الحرة ..
الحياة مع المقابر ..
* * *

 

 

 

 

 

لكى ترسم صورة لطائر

جاك بريفير


ارسم أولا قفصا
بباب مفتوح
ثم ارسم
شيئًا جميلا
شيئًا بسيطا
شيئًا حسنا
شيئًا مفيدًا
من أجل الطائر
ثم أسند اللوحة إلى شجرة
فى حديقة
فى بستان
فى غابة
واختبئ خلف الشجرة
دون أن تنبس ببنت شفة
دون أن تتحرك
أحيانا يأتى الطائر بسرعة
لكن يمكن أيضا أن تمر سنوات طوال
دون أن يجئ
لا تيأس
انتظر
انتظر ، إذا لزم الأمر ، عدة سنوات
فإن سرعة مجئ الطائر أو بطأه
لا علاقة لهما
بنجاح اللوحة
* *
عندما يأتى الطائر
إذا أتى
راقب بصمت عميق للغاية
وانتظر دخوله فى القفص
وعندما يدخل
أغلق الباب خلفه بهدوء
ثم
امسح واحدًا واحدًا من أعمدة القفص
مراعيًا ألا تمسّ أية ريشة فى الطائر
أرسم بعد ذلك صورة الشجرة
مختارًا أجمل أغصانها
من أجل الطائر
ارسم أيضًا خضرة الأوراق وطزاجة الريح
وأشعة الشمس
ودبيب هوام العشب فى حرارة الصيف
ثم انتظر : كى يغنى الطائر
إذا لم يغن
فتلك علامة سيئة
علامة على أن اللوحة رديئة
لكن إذا غنى ، فتلك علامة طيبة
علامة على أنه بإمكانك أن توقع بإمضائك
* *
عندئذ .. انزع بكل هدوء
إحدى ريشات الطائر
وأكتب بها اسمك .. فى ركن من اللوحة !

 

 

 

 

 

ماذا أقول له ؟

موريس ماتيرلنك

 


- وإذا عاد ذات يوم
ماذا ينبغى أن أقول له ؟
- قولى له : إننى انتظرته
حتى مت من الانتظار
- وإذا سألنى أيضًا
دون أن يتعرف علىّ
- تحدثى إليه كأخت
فلعله يعانى ..
- وإذا سأل : أين أنتِ ؟
بماذا ينبغى أن أجيب ؟
- أعطيه خاتمى الذهبى
دون أن تجيبه بشىء ؟
- وإذا أراد أن يعرف
سبب فراغ صالة المنزل ؟
- أريه المصباح المطفأ ،
والباب المفتوح !
- وإذا سأل حينئذ
عن اللحظة الأخيره ؟
- قولى له : إننى ابتسمت
خشية أن يبكى ..
* * *

 

 

 

 

 

 

أربع قصائد فى القطط

بودليـر

 


القصيدة الأولى

تعال يا قطى الجميل فوق قلبى العاشق
واطو مخالب أقدامك
ودعنى أسبح فى عيونك الجميلة ،
المشربة بمعدن وعقيق ..
* *
وعندما تربت أصابعى فى مهل
على رأسك ، وظهرك اللدن
وعندما تنتشى يدى باللذة
من لمس جسدك المكهرب ..
00 أرى امرأتى فى الذهن ، نظرتها
كنظرتك ، أيها الحيوان الأليف ،
عميقة وباردة ، تقطع وترشق مثل سهم !
* *
ومن القدمين حتى الرأس
هواء لطيف ، وعطر خطر
يسبحان حول جسدها الأسمر
* * *

 

 

 

القصيدة الثانية

فى رأسى يتجول
مثلما فى شقته تماما
قط جميل ، قوى ، وديع وفاتن
وعندما يموء ، لا يكاد يُسمع ..
* *
وعلى قدر رنته اللينة ، الكتوم
فإن صوته ، الذى يلطف أو يزمجر
ثرى دائما وعميق
وتلك روعته وسره !
* *
هذا الصوت الذى يقطر ويصفى
فى أعماقى الشديدة الظلمة
يفعمنى بأشعار غزيرة
ويسكرنى كشراب المحبة
* *
إنه يخمد أعتى الشرور
ويحتوى على كل ألوان الشطح
ولكى يقول أطول العبارات ،
فليس فى حاجة إلى كلمات !
* *
لا ، إنه ليس ذا منشار يقرض
فوق قلبى ، آلته الممتازة
يجعل بروعة
أشد أوتارها حساسية ، يغنى ..
أى صوت هذا ، أيها القط الغامض
القط الملائكى ، القط الغريب
الذى فيه كل شيء ، كما فى الملاك ،
بارع ، وموقع للغاية !
* *
من فرائه الأشقر والأسمر
ينبعث عطر ناعم ، وذات مساء
تعطرت منه ، عندما
ربت مرة واحدة عليه .. ليس أكثر من مرة !
* *
إنه الروح المتعود على المكان
يقضى ، ويترأس ، ويلهم ..
كل شيء فى إمبراطوريته .
لعله جنية ! لعله إله !
* *
عندما تنجذب عيناى ، نحو هذا القط الذى أحبه ،
كما تنجذبان نحو مغناطيس
ترتدان فى انقياد
وأجدنى : انظر فى نفسى ..
* *
وأرى فى دهشة
نيران أحداقه الممتقعة
والمنارات اللامعة ، والأحجار الكريمة الحية
.. تتفحصنى بثبات !
* * *

 

 

 

القصيدة الثالثة

العشاق الملتهبون ، والعلماء العاكفون
يحبون أيضا فى عمرهم الناضج
القطط القوية والوديعة ، فخر المنازل
التى تشبههم فى الحساسية ، وإيثار الإقامة
* *
أصدقاء العلم والشهوة
يبحثون عن الصمت ، ورهبة الظلمات
وقد اتخذهم "ايريب" خدامه الجنائزيين
وعندما يتمكن من استعبادهم .. يحنون رؤوسهم !
* *
إنهم يتخذون المواقف النبيلة ، حالمين
بأبى الهول الكبير المستلقى فى أعماق الوحدة
والذى يبدو دائما فى حلم بدون نهاية !
* *
أصلابهم الخصبة ممتلئة بالشرارات السحرية
وقطع من الذهب ، مثل رمال رقيقة
ترصّع بالنجوم .. أحداقهم الصوفية !
* *

 

 

 

القصيدة الرابعة

[قصيدة نثر]


يرى الصينيون الساعة فى عيون القط !
ذات يوم ، بينما كان أحد المبشرين (المسيحيين)
يتنزه فى ضواحى مدينة نانكين
Nankin
أدرك أنه نسى ساعة يده
وعندئذ سأل صبيا : كم الساعة !
فتردد ابن امبراطورية السماء لحظة ،
ثم اعتدل مجيبًا : سأقولها لك
ولم تمض لحظة ، حتى ظهر الصبى ثانية ،
وبين يديه قط قوى ضخم ..
وبعد أن نظر طويلاً -
كما نقول نحن - فى بياض عينيه
أكد فى حسم :
أن نصف النهار لم يحن بعد تماما !
وكان ما قاله الصبى حقا
وبالنسبة لى ..
عندما أنحنى على قطتى الجميلة فيلين ،
ذات الاسم العذب ،
والتى تعتبر فى نفس الوقت شرفًا لبنات جنسها ،
وفخرًا لقلبى ، وعطرًا لروحى ،
سواء فى المساء أو فى النهار ،
فى الضوء الساطع ، أو فى الظلام الحالك
فإننى أرى فى عمق عينها : الساعة بكل وضوح !
* *
ودائما نفس الشىء :
ساعة شاسعة ، واضحة ، كبيرة مثل الفضاء ،
دون تقسيمات الدقائق والثوانى ..
ساعة ثابتة ، غير مضبوطة على ساعات الميادين ،
ومع ذلك ، فإنها لطيفة مثل روح ،
خاطفة كلمح البصر
وإذا ما حدث أن أرقنى شىء ما
أثناء تأملى فى هذا الإطار اللذيذ
إذا عفريت دنئ لا يطاق ،
أو شيطان معوق جاء يقول لى :
- ما الذى تنظر إليه بكل هذه العناية ؟
عن أى شىء تبحث فى عيون هذا المخلوق ؟
هل ترى فيها الساعة ، أيها الفانى ، المسرف ، الخامل ؟!
فسوف أجيبه دون تردد :
- أجل ، أرى الساعة .. إنها الخلود
* * *

 

 

 

 


لا شىء أكثر من ذلك

س. ميلوز

(من بولنده – جائزة نوبل 1980)

 


ينبغى أن أقول ذات يوم
كيف غيرت رأيى حول الشعر
ولماذا أعتبر نفسى الآن
مثل واحد من الحرفيين فى اليابان – الإمبراطورية
أولئك الذين كانوا يقولون الشعر
فى أشجار الكريز المزهرة ،
والأقحوانات ، والقمر فى ليالى البدر ..
* *
إذا استطعت أن أصف :
كيف كانت نديمات البندقية
يزعجن بقصبة .. طاووسا فى البلاط
وبالديباج المذهب ، واللآلى فى أحزمتهن
يكشفن عن أثدائهن الثقيلة ؟
إذا استطعت أن أرسم
الأثر المحمرّ لموضع شدة الفستان على بطونهن
كما كان يراها تجار المراكب الشراعية
الراحلة فى الصباح الباكر .. محملة بالذهب
وإذا استطعت فى نفس الوقت ، أن أجد لعظامهن
فى المدافن التى يلامس البحر الزيتى أبوابها
كلمةً تحفظ ذاكراهن ،
أكثر من المشط الوحيد
من الذى – فى الرماد تحت شاهدة قبر – ينتظر النور !
عندئذ لن أشك قط
ومن المادة الهشّة ماذا يمكننا أن نستبقى ؟
لا شىء ، إذا لم يكن هذا الجمال ؟!
كذلك ، ينبغى أن نكتفى بزهور أشجار الكريز ،
والأقحوانات ،
والقمر فى ليالى البدر !
* * *

 

 

 

 

 

مقابلـة

للشاعرة آنا كافينسكا

(من بولنده)

 


- عشب .. رمل .. فلنتحدث عن الشعر
كما كنا نتحدث عنه فى الماضى
فلنتحدث عن تلك اللغة الشرهة للخضرة
عن رفات الأقارب فى حفرة مشتركة
عن دموع الأم التى تتساقط من ساعتها
فى عروق الحقل
عن غضبات الأب التى تشتعل دائما فى السحب
فلنتحدث أخيرًا بهدوء عن حبنا
ذلك الدليل الوحيد على أننا ما زلنا بعدُ أحياء
على الرغم من أن الرمل يملأ أفواهنا
إننا ننطلق الكترونيْن يتيميْن
لكى نجعل وجودنا أكثر إثارة
إن الغياب يبحث بدون ملل عن الحضور
ويغربل كل ما اتفق عليه بسهولة
مما أسموه الخلود
بالنسبة لنا .. لا تليق إلا استحالة
الزمن الحاضر ..
رملى .. أرضى .. طينى !
* * *

 

 

 

 

 

 

اقضمْ لسانك

بارنكزاك
(من بولنده)

 

- لا تبصق على كل شىء فى الحال
وعندما يؤدى بك الفكر إلى اللغة
فقبل أن تفتح فمك
ابتلع لعابك المر ، قبل أن تقول شيئا ..
فكر ثلاث مرات حول مصير :
أ- مركزك
ب- مركز الكرة الأرضية
ج- كل الذين انتقلوا إلى السجن ، وجوههم مهشمة باللكلمات!
* *
على غناء الجموع ، اقضم بسرعة لسانك
نعم ، بقوة ، بقوة أشد ، امنع الفكين من أن ينفرجا ..
اضغط على أسنانك ، لا تخش شيئا
فإن كل ما سيحدث هو أن لسانك
سيتورم
وأنك لن تستطيع بعد الآن أن تتلجلج بكلمة واحدة
ودون أية مشكلة ، فسوف تحصل على إجازة ،
مؤقتة من الحقيقة .. وإذا أحسست فى حنكك
بطعم مالح ، لا تعذبْ نفسك
فإن حبر الغضب الأحمر
لن يخرج بحال ما من فمك !
* * *

 

 

 

 

 

سأروى لك التاريخ

جورج فيكوفيسكى
(من بولنده)

 


ساروى لك التاريخ
قبل أن يخرج منا مطهرا
وبالتالى ، فهو محفوظ جيدا فى الرمل
مثل هيكل ديناصور
تحت صحراء جوبى
Gobi
سأرويه لك ، وهو ما زال ساخنا بعد
فى أفران أوستشويتز
Auschuitz ، التى ما زالت محماة
سأرويه لك ، وهو ما زال بعدُ جليديا
فى سحب كوليما
تاريخ الأيدى القذرة
تاريخ الأيدى المبتورة
ذلك التاريخ الذى لا يوجد فى الكتب
حتى لا تتسخ به
المساحات البيضاء
فى خرائط الزمان والمكان
سأروى لك التاريخ
ذلك التاريخ الذى لم يكتب قط
والذى يتمثل نادرا
فى نبش الأحلام
كدليل على أننى أحمل الصمت
المثقوب من جانب آخر
لهذا السبب .. أقول خافضا الصوت :
سأروى لك التاريخ
لكن .. لا تُعدْ أنت روايته !
* * *

 

 

 

 


وفى الحقيقة ، لم نكن نعرف

ز. كريتسكى
(من بولنده)

 


ربما كنا أطفالاً ، ولم تكن لدينا أية تجربة
كنا نعلم فقط أنهم يجبروننا على أن نعتقد فى الكذب
وفى الحقيقة ، كنا نجهل ما نريده
باستثناء احترام عدة حقائق .. أبسطها حقوق الإنسان
عندما كنا نتجمع فى ميدان صغير
حول نصب شاعرنا الكبير
الذى قضى شبابه فى بلاد مكتوفة
وبقية حياته فى المنفى
كنا ندخن السجائر ، ونحرق الجرائد المليئة بالكذب
كنا ندخن السجائر التى تسمم أجسامنا
ونحرق الجرائد ، لأنها تسمم عقولنا
قرأنا الدستور ، وإعلان حقوق الإنسان
وفى الحقيقة لم نكن نعرف أن هذه الحقوق
كان من الممكن أن تصبح مضادة لصالح المواطن
وفى الحقيقة ، لم نكن نعرف
أنه بالإمكان إرسال الدبابات العديدة
ضد رجال عزّل من السلاح ، بدون دفاع !
ضدنا نحن .. الذين كنا حينئذ أطفالا
جيوش من الأفكار المسبقة فى مدارسنا
فى نفس هذه المدارس ، جعلونا ننسى
جيوشا أخرى من أفكار شاعر ، أصبح تمثاله
منفانا ..
وفى الحقيقة ، لم نكن نعرف
أنه بالإمكان محو كل هذه الأفكار
بابتزاز الخطب ، واستثارة المقالات
بالطاقة الهائلة للعنف المنظم
وبالكذب المتفاقم عن الكذب
وفى الحقيقة ، لم نكن نعرف أن الكبار لن يصدقونا
وأنهم سيصدقون الكذب المتفاقم
وأنه من الممكن محو كل شىء
ونسيان كل شىء
والتظاهر بعدم رؤية شىء !
وفى الحقيقة ، لم نكن نعرف أن من سيتابع المسيرة
سيتخطى كل درج الخيال
وفى الحقيقة ، لم نكن نعرف أن الذاكرة
كانت ، وما زالت ، هى عدو المواطن
وفى الحقيقة ، لم نكن نعرف أنه لكى نعيش هنا ،
فى اللحظة الحاضرة ،
كان ينبغى علينا أن نتظاهر بالحياة فى مكان آخر
وفى زمن آخر
عبر ستائر من حديد السحب ،
وأن نصارع ضد الموتى ..
* * *

 

 

 

 

 

إلى شاعر شاب فى العصر الحديث

جاك بيير زين
(من بولنده)

 


- أفعالك تظل للأبد أملا
مع أنك تعرف فيها الثمن ، كما تعرف الكلمات
الداخلة بالقوة فى فم شاعر
والتى لا يمكن استعادتها إلا بالكذب
إنك تعرف الآن عدم الثقة . هذا الشعر نفسه
إذا كذب
فإنه لن ينقذ الشعوب ، ولا البشر
لكن على الرغم من كل محاولة لتسميته ثروة
فإنه يكفى فى إنقاذ الإنسان الذى يكمن فى داخلك
وقد يؤدى بك إلى اكتشاف الاحتقار ..
ذلك السلاح غير المجدى لأمثالنا .. الذين يسهرون
مزودين بإيماننا ، أو الذين ينامون
على هذا الشعر الحالم بما لم يوجد بعد ..
ومع ذلك ، فإنه كل ما يراه منا الآخرون
عندما تشوه الظلمات الوجه
لا يبقى إلا الذراعان ، والخواطر
وذلك الوميض الخاطف من عدة حقائق عابرة
* * *

 

 

ملحق


قصائد عربية للمقارنة



· موسيقا من الجن  لمحمود حسن إسماعيل
· ماذا أقول له ؟ ترجمها شعرًا الأخطل الصغير
· الشاعر والقصيدة        لحامد طاهر

 

 

موسيقا من الجن


محمود حسن إسماعيل



وأكاد أسمعهم !!
ورغم ضراوة الغيب الكثيف ،
أك*-اد أسمعهم وأبصرهم..
وأرى حفيف خطاهمو
خلف الأثير مزاهرًا حمرًا
تغنِّيهم وتُرقِصهم ،
يتسللون ويمرقون
ولا طيور الوهم فوق الظنِّ
بالأحلام تدركهم !!
وأكاد من خلدى أكلمهم ،
وأكاد من شفتى أهزَ لهم ..
نغما يسامرهم
وأكاد أبسط راحتى ويدى تصافحهم
وأكاد أسلك دربهم
وأسير محجوب الخطا معهم
وأكاد أدعوهم
وأنتشل الصدى المخطوف من يدهم ، وأعزفهم
من هؤلاء يروننى شبحا
وعينى لا تشاهدهم ؟
شُقى يدى قلبَ الأثيرِ
وصافحى بيديك موكبهم
من هؤلاء ؟
أراهمو ، وأكاد رغم الستر أعرفهم !
ستروا الوجوه ، فمن همو ؟
يا قلب مَهلكَ !
برقع يخفيك أم يخفى ملامحهم ؟
تعبوا من الإخفاء
حتى كاد شيبُ الصمت من فكيه يلفظهم
إنى أراهم رغم أنهمو
لا شىء لا إحساس يكتمهم
جنوا ، فذابوا فى مرنحةٍ
بكماء ، حول صداى تشربهم
لا فى فمى جرْس يخاطبهم
لا فى دمى همس يواكبهم
وأضج فى خرسى لأعلنهم
زاموا بزمزمة .. مزملة ..
بعواء أصوات تزامنهم
صمت بصوت ،
لا طنين ولا سكون ،
هلا !!
مست يدى قدحًا على فمهم
عطشانُ للأسرارِ
فاسقونى ..
وكدت أذوق ما ذاقته نظرتهم
بل ذقتها ، وغدوت مشدودًا بعصبتهم
وشطرت ذاتى :
واحد معهم ، والواحد الثانى يراقبهم
هيا .. وسرت ! بنصف مغترب
وخيال ضيف عابر معهم !
وإلى هناك .. وسرت ..
لا إنسا ، ولا جنًا ، أصاحبهم
بل طيف روح لا يغادرهم
سرنا سواء
أينما ذهبوا
لاحقتهم ، وظللت صاحبهم ..
تتلفت الحدقات من حدقى ،
والهمس من شفتى على فمهم
دخلوا محاريب الصلاة
فرحت أتبعهم
ووراء جاثٍ خاشع الله
كنت مكاشفًا معهم !
يجثو .. ويلعق ! صحت أسألهم :
ماذا ؟ فقال كبيرهم : ههها !!
ويلا ! لسجّادين ألمحهم
العين تهجع فى زبيبتهم
والروح تفزع من حقيقتهم
دعهم سكارى !
ذاب واجدهم ،
فى دمع من مارى طريقتهم !!
انظر صدى البهتان فى دمهم
إبريق خمار لنشوتهم ،
ويد الفقير ذراع مروحة
شلاء بالدعوات تنعشهم
أخفت ملامحها لتلسعهم
وتريق سم الخمر فى قدح
بالرق ، والإحسان رنحهم !!
ساروا ، وسرت ،
وكلما وقفوا
كنت الخطا الشلاء تتبعهم
ومخبل القسمات ، لحيته
غربال زور كاد يسقطهم
عيناه .. راهبة ، وعاهرة
والدير فى الماخور يجذبهم !
تنناقلان الحبو فى شرك
شد الخيوط ، وقال : أعرفهم
ومضى يجاذب فى أعنتهم
ويصيح مأخوذًا بمقدمهم
أصغوا إليه تمائما ورقى ،
وسطور أحجبة تكاتبهم
وتعوم غرقى فوق لجتهم
تئد الضياء
وما بها قبس
إلا الظلام
يلف وحدتهم
ومضى يلوك الغيب عن فمهم
وبزيفه العاتى يزورِّهم
أعمى ، ولم يرهم
ويقول أحبابى ، أواصلهم !
وأذيب سر الله .. من أسرار صحبتهم !
*   *              

كذب الضريرُ
فما رأى شيئًا ولا فيئًا يزاولهم
هم يبصرون عمى بجعبته
وهو الكفيف .. عليه لعنتهم
بصقوا ، وذابوا فى مسيرتهم
وسمعت عاهلهم يناغمهم
ظل الحيارى حائر معهم
والكأس حادى العقل حطمها
ومضى بها للنور يسبقهم
ضلوا الطريق !
فما لمنتجع غيب الإله سنا يضوئهم
الغيب غيب الله يبعدهم
والعقل مد الروح يحملهم
والروح قبل العقل ترفضهم !!
*   *   *

 

 

 


ماذا أقول له ؟

معربة بتصرف عن الشاعر
ميترلنك بقلم بشارة الخورى
المعروف بالأخطل الصغير

 

 

 


ماذا أقول له إذا رجعا
يومًا ولم يبصرك فى القصرِ

- ماتت عليه أسىً - أحيببه

وإذا رأيتُ الحزن منطبعا
فى وجهه الذاوى من القهرِ

- كونى له أختًا ، وعزّيه

وإذا ترقق لى ليستمعا
ما قلت ساعة نزعك المرِ

- قولى له : ابتسمت تسلّيه

وإذا أراد بأن نسير معا
للقبر كى يبكى على القبرِ

- رحماكِ ! إن الدمع يؤذيه

***

 

 

 

 

 

الشاعر والقصيدة


د. حامد طاهر
[قصيدة نثر]



مجموعة من الصور ،
المتطايرة فى الجو ..
تحاول أن تستقر فى مجموعة من الكلمات ،
المنتشرة فوق الأرض
والشاعر حائر بينهما :
يحاول أن يوفق بين المجموعتيْن
وأن يمزجهما معًا بمجموعته الخاصة ،
من العواطف والأحاسيس ،
التى تموج فى صدره !
المجموعة الأولى
مثل طائفة من الفراشات الصغيرة الملونة
تعلو وتهبط بسرعة خاطفة
على طرف بركة ماء
وهى متخوفة دائمًا من أن يقتنصها أحد !
أما المجموعة الثانية
فإنها تتباعد فى اتجاهات مختلفة
مثل النمل الذى ينتشر بعد انتقاض عشه
وهى أكثر من أن يجمعها الشاعر بيديه !
يظل الشاعر يحاول ، ويحاول
وأخيرًا يلجأ لحيلة الخيوط
وكلما أمسك بفراشة أو كلمة
ربطها فى طرف الخيط
تتعدد الخيوط ، وتتمدد
حتى تصبح مجموعتين متجانستيْن
عندئذ يقوم بوضع الفراشة المناسبة
فى مكانها المناسب
وهو يفعل ذلك فى ظلام الليل
مرتعشا من شدة البرد
والريح تعوى من حوله ،
وتكاد تمزق ثوبه !
*  *
وفجأة يسقط على الأرض
وكفّاه داميتان من شدّ الخيوط
إنها خيوط رفيعه جدا ، لكنها حادة
وأخيرًا .. تنتظم له المجموعتان
فتهبط الأولى على كتفيه من الجو ،
وتصبح الثانية طيّعة بين يديْه
هنا فقط .. يبدأ الشاعر فى عمله الحقيقى
فيتخير ، ويقيس ، ويغير ، ويبدل ..
نافخًا فى كل كلمة جزءًا من روحه
وكلما فعل ذلك شعر بالضعف
وتهاوت قواه ، وكاد يفقد الوعى
لكن ما يطرد عنه التعب والألم :
إنه يرى إلى جانبه مخلوقًا صغيرًا قد تكوّن ..
أنه مخلوق جميل ، وملىء بالحياة
عندئذ يحضنه بحنو بالغ ،
ويحميه بكفيه من برودة الليل
*    *
ومع ظهور أشعة الفجر
يعود به مسرعًا إلى البيت
وهو يسمع زقزقته ، ويشعر بدفء جسده
وعندما يقابل أول صديق
يكشف له بكل حرص عن وجهه
منتظرًا بكل لهفة أن يجيب عن سؤاله
-هل هو حقا كائن جميل ؟
لكنه لا يذكر شيئا قط
عما لاقاه من المعاناة .. طوال الليل

*   *   *

التعليقات (1)Add Comment
0
...
أرسلت بواسطة medebbah, نوفمبر 16, 2014
جزاك الله خيرا علي هذا العمل اللقيم. ولكن حبذا لو عرضت القصيدة الام فسيكون في ذالك افادة للمتعلمين للفرنسية وزيادة لغة

أضف تعليق
تصغير | تكبير

busy
آخر تحديث الجمعة, 01 مايو 2015 01:33