مذكرات المشاهير فى الميزان
فى السنوات الأخيرة من العمر ، تستحب مراجعة الإنسان لنفسه، بل لعلها تصبح واجبة . ومن المقرر أن هذه المراجعة تتطلب الاعتراف . والاعتراف نوعان : فمنه ما يكون شخصيا وسريا ، ومنه ما يكون اجتماعيا وعلنيا . وإذا كان الكثيرون منا يمارسون الاعتراف الشخصى الذى يدور بين الإنسان ونفسه ، فإن قلة قليلة من ( الشجعان طبعا ) هم الذين يقدمون عليه بصورة علنية . وتتمثل صعوبة الاعتراف فى أنه يجبر الإنسان على استرجاع ما مضى من أفعاله وأقواله وربما أيضا نواياه ، ثم يطرحها شفاهة أو كتابة على الناس حتى يتبين منها ماذا أخطأ فيه ، ومتى أصاب . وهنا يأتى الخوف والحساسية من أحكام الآخرين على الشخص ، والتى قد تقتصر على الخطأ دون الصواب ، أو التى تغلّب أحدهما على الآخر ، تبعا لوجهات النظر المتعددة ، وأمزجتهم االمتباينة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من هذا المنطلق ، يمكننا مقاربة ذلك الحشد الهائل من (مذكرات المشاهير) التى نشروها لكى تقدم صورة رائعة عن مسيرة حياتهم ، وأوجه نشاطهم ، وسلامة مواقفهم ، بالإضافة أحيانا إلى بعض اعترافاتهم الشخصية . وأهم ما يغلب على تلك المذكرات هو تحسين صورتهم ، ، بل وتلميعها لدى معاصريهم ، دون أن يدركوا ما سوف يواجههم به التاريخ الحقيقى برواياته المتعددة ، ووثائقه الثابتة،والتى يمكنها بكل بساطة أن تمحو هذا التحسين ، وتطفئ ذلك التلميع ، والنتيجة أن الغالبية العظمى من تلك (المذكرات) ما تلبث أن تسقط من أنظار المجتمع ، وتستقرأخيرا فى أودية النسيان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما الاعتراف الصادق ـــ فضلا عن أنه يريح نفس صاحبه ويخلصه من عذاب الضمير ـــ فإنه يضيء للأجيال من بعده طريقا ، واضح المعالم يكاد يمتد أمامهم بدون عثرات أو مطبات ، لماذا ؟ لأن الإنسان فى كل زمان ومكان يظل هو ذلك الكائن البشرى ، الذى يجمع المتناقضات ، فيه توجد القوة والضعف ، والشدة واللين ، والتماسك والانهيار . ويمكننى أن أتساءل هنا ، بل أسأل : من منا يستطيع أن يؤكد خلوه من بعض النقائص ، وأقلها الغيرة والحسد ، وأعظمها النفاق وإلحاق الأذى بالآخرين ؟ !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهكذا فإن المحاولة (الفاشلة) لتحسين الشخص صورته وتلميع شخصيته فى أمثال تلك المذكرات لن تكون سوى محاولة نفخ فى الهواء ، وهى كما تنتج التكذيب وعدم التصديق ، فقد تثير السخرية ، وتأتى بنتيجة معاكسة تماما لما تمناها صاحب المذكرات . أما الاعترافات الصادقة والنابعة من القلب دون ادعاء أو مبالغة فهى الأجدر بأن تصبح جزءا من التاريخ وإضافة قيمة لأحداثه ، بل إنها تتجاوز ذلك لتساعد الأجيال الجديدة على مواجهة عقبات حياتهم الواقعية بمزيد من الثقة فى النفس ، وعدم التمسك بنماذج أولئك المشاهير على أنهم كانوا مبرّأين من أى عيب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولعل من الأفضل أن نرجع فى هذا الصدد إلى القرآن الكريم لكى نقف منه على بعض الأوصاف التى نسبها للإنسان ، ومنها أنه:
ـــ ضعيف (سورة النساء ، الآية72) ـــ هلوع أى شديد الخوف (المعارج19) ـــ ظلوم ، جهول (الأحزاب72) ـــ يؤوس ، أى كثير اليأس (هود 9) ـــ خصيم مبين ، أى مفرط فى الخصومة (النحل4) ـــ عجول ، أى متعجل أو متسرع (الإسراء 11) ـــ كفور (الإسراء67، الحج66) ـــ قتور ، أى شديد البخل (الإسراء 100) ـــ أكثر شىء جدلا ، أى مجادل عنيف (الكهف54) ـــ إن الإنسان ليطغى ، أى يصبح طاغيا متجاوزا للحدود (العلق2)
فهل يأتى بعد ذلك من يزعم أنه مبرّأ من ألأخطاء والخطايا البشرية ، ويصور لنا نفسه فى صورة ملاك طاهر بريء ، وهو يدرك فى أعماقه أنه قد مارس الخداع مرتين :الأولى مع نفسه ، والثانية مع المجتمع كله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مذكرات المشاهير فى الميزان
فى السنوات الأخيرة من العمر ، تستحب مراجعة الإنسان لنفسه، بل لعلها تصبح واجبة . ومن المقرر أن هذه المراجعة تتطلب الاعتراف . والاعتراف نوعان : فمنه ما يكون شخصيا وسريا ، ومنه ما يكون اجتماعيا وعلنيا . وإذا كان الكثيرون منا يمارسون الاعتراف الشخصى الذى يدور بين الإنسان ونفسه ، فإن قلة قليلة من ( الشجعان طبعا ) هم الذين يقدمون عليه بصورة علنية . وتتمثل صعوبة الاعتراف فى أنه يجبر الإنسان على استرجاع ما مضى من أفعاله وأقواله وربما أيضا نواياه ، ثم يطرحها شفاهة أو كتابة على الناس حتى يتبين منها ماذا أخطأ فيه ، ومتى أصاب . وهنا يأتى الخوف والحساسية من أحكام الآخرين على الشخص ، والتى قد تقتصر على الخطأ دون الصواب ، أو التى تغلّب أحدهما على الآخر ، تبعا لوجهات النظر المتعددة ، وأمزجتهم االمتباينة
** من هذا المنطلق ، يمكننا مقاربة ذلك الحشد الهائل من (مذكرات المشاهير) التى نشروها لكى تقدم صورة رائعة عن مسيرة حياتهم ، وأوجه نشاطهم ، وسلامة مواقفهم ، بالإضافة أحيانا إلى بعض اعترافاتهم الشخصية . وأهم ما يغلب على تلك المذكرات هو تحسين صورتهم ، ، بل وتلميعها لدى معاصريهم ، دون أن يدركوا ما سوف يواجههم به التاريخ الحقيقى برواياته المتعددة ، ووثائقه الثابتة،والتى يمكنها بكل بساطة أن تمحو هذا التحسين ، وتطفئ ذلك التلميع ، والنتيجة أن الغالبية العظمى من تلك (المذكرات) ما تلبث أن تسقط من أنظار المجتمع ، وتستقرأخيرا فى أودية النسيان
**
أما الاعتراف الصادق ـــ فضلا عن أنه يريح نفس صاحبه ويخلصه من عذاب الضمير ـــ فإنه يضيء للأجيال من بعده طريقا ، واضح المعالم يكاد يمتد أمامهم بدون عثرات أو مطبات ، لماذا ؟ لأن الإنسان فى كل زمان ومكان يظل هو ذلك الكائن البشرى ، الذى يجمع المتناقضات ، فيه توجد القوة والضعف ، والشدة واللين ، والتماسك والانهيار . ويمكننى أن أتساءل هنا ، بل أسأل : من منا يستطيع أن يؤكد خلوه من بعض النقائص ، وأقلها الغيرة والحسد ، وأعظمها النفاق وإلحاق الأذى بالآخرين ؟!
**
وهكذا فإن المحاولة (الفاشلة) لتحسين الشخص صورته وتلميع شخصيته فى أمثال تلك المذكرات لن تكون سوى محاولة نفخ فى الهواء ، وهى كما تنتج التكذيب وعدم التصديق ، فقد تثير السخرية ، وتأتى بنتيجة معاكسة تماما لما تمناها صاحب المذكرات . أما الاعترافات الصادقة والنابعة من القلب دون ادعاء أو مبالغة فهى الأجدر بأن تصبح جزءا من التاريخ وإضافة قيمة لأحداثه ، بل إنها تتجاوز ذلك لتساعد الأجيال الجديدة على مواجهة عقبات حياتهم الواقعية بمزيد من الثقة فى النفس ، وعدم التمسك بنماذج أولئك المشاهير على أنهم كانوا مبرّأين من أى عيب.
**
ولعل من الأفضل أن نرجع فى هذا الصدد إلى القرآن الكريم لكى نقف منه على بعض الأوصاف التى نسبها للإنسان ، ومنها أنه:
ـــ ضعيف (سورة النساء ، الآية72( ـــ هلوع أى شديد الخوف (المعارج19( ـــ ظلوم ، جهول (الأحزاب72( ـــ يؤوس ، أى كثير اليأس (هود 9( ـــ خصيم مبين ، أى مفرط فى الخصومة (النحل4( ـــ عجول ، أى متعجل أو متسرع (الإسراء 11( ـــ كفور (الإسراء67، الحج66( ـــ قتور ، أى شديد البخل (الإسراء 100( ـــ أكثر شىء جدلا ، أى مجادل عنيف (الكهف54( ـــ إن الإنسان ليطغى ، أى يصبح طاغيا متجاوزا للحدود (العلق2(
فهل يأتى بعد ذلك من يزعم أنه مبرّأ من ألأخطاء والخطايا البشرية ، ويصور لنا نفسه فى صورة ملاك طاهر بريء ، وهو يدرك فى أعماقه أنه قد مارس الخداع مرتين :الأولى مع نفسه ، والثانية مع المجتمع كله
|