|
كتبها Administrator
|
|
الخميس, 15 أغسطس 2019 16:47 |
|
ظاهرة باعة الأرصفة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كنت أسير فى شارع قصر النيل بالقاهرة . كان المساء قد بدأ ، وأضاءت المحلات المتلاصقة أنوارها فأصبح الشارع كله يتلألأ . والمارة يتفرجون ونادرا ما يتسوقون ، أى يتشجعون ويدخلون فيشترون بعض حاجاتهم . وعلى الرصيف كان حشد هائل من الباعة يعرضون بضاعتهم بأسعار جاذبة . وحولهم التف العديد من المارة يقيسون ويفاصلون وفجأة وجدت الباعة يتصايحون فيما بينهم ، ويسرعون بحمل بضاعتهم المتناثرة على الرصيف ، ويدخلونها فى البيوت المجاورة ،
وعندما استفسرت وجدت أن عربة البلدية تمر فى أول الشارع ، وهى تصادر أى بضاعة معروضة على الرصيف وتعرض صاحبها للغرامة . لكن الأمر العجيب هو أنه بمجرد مرور عربة البلدية التى كانت محملة بالكثير من البضائع المصادرة ، عاد هؤلاء الباعة ــ العفاريت ــ فنشروا بضاعتهم من جديد على الرصيف ، وراحوا ينادون عليها ويبيعون ويفاصلون .
والواقع أن حركة البيع لدى هؤلاء أكثر نشاطا منها لدى المحلات المضاءة بالنيون . والسبب أن الأسعار لديهم أرخص عشرات المرات من المعروض فى الفاترينات الزجاجية الأنيقة . كل هذا قد يلاحظه الناس من حولى ، لكننى توقفت عند ملاحظة دقيقة ربما لم يلتفت إليها أحدا ، وهى أن أصحاب تلك المحلات الغالية والتى يخيم عليها الكساد لا يبدو أنهم متضايقون من أولئك الباعة ــــ العفاريت ـــــ الذين يخطفون الزبائن منهم فوق الأرصفة ، ويجذبونهم إلى شراء ما يعرضونه عليهم . لا يوجد غضب ولا حسد ، بل على العكس هناك نوع من الرضا والتعايش السلمى بين أصحاب المحلات وباعة الأرصفة ، بل إننى لاحظت ما هو أعجب : أن أصحاب المحلات يفرحون جدا عندما يتهرب هؤلاء الباعة من قبضة عربة البلدية ، ويدخلون بسرعة خاطفة إلى أبواب البيوت المجاورة لهم ، تماما مثل موجات السمك التى تتقدم للأمام ثم تنعطف للخلف بسرعة هائلة عند ظهور أى علامة خطر تهددها .
والسؤال الآن : هل عربة البلدية جادة فعلا فيما تقوم به ؟ وإذا كانت جادة فهل مرورها فى دورة واحدة أو دورتين كاف للقضاء على ظاهرة باعة الأرصفة ، الذين يفترشونها طوال ساعات النهار والليل ؟
ولماذا لا يشكو أصحاب المحلات من وجود هؤلاء الباعة الذين يخطفون منهم الزبائن ، ويحققون أرباحا سريعة بينما محلات هؤلاء مكتظة بالبضاعة ، وخالية تماما من الزبائن ؟
**
أما السؤال الكبير فهو الآتى : هل من الحكمة القضاء على باعة الأرصفة وهم يقدمون خدمة جليلة بالفعل للناس الذين لا تسمح ظروفهم الاجتماعية والمالية بالشراء من المحلات الأغلى ، فيقبلون على شراء لوازمهم من هؤلاء الباعة بأسعار رخيصة فى متناول جيوبهم ؟ والسؤال الأخير : هل يمكن دراسة تلك الظاهرة وإصدار قانون ينظمها بدلا من تركها معلقة فى حالة شد وجذب بين هجوم عربة البلدية ، وهروب باعة الأرصفة ببضاعتهم ؟ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 |
