عداد الزائرين

mod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_counter

إضافات حديثة

   
 
على شاطئ العمر صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك
كتبها Administrator   
الجمعة, 02 أغسطس 2019 15:36

 

على شاطئ العمر


 

أجلس الآن على شاطئ العمر

وحدى وسط برد الشتاء

أتأمل زرقة البحر

وامتداده اللانهائى

وفجأة تلوح سفينة من بعيد

تعبر فى إيقاع بطئ

لكنها ما تلبث أن تختفى

فى نهاية الأفق المترامى ..

* *

حولى رمال بيضاء

تتخللها بقايا أخشاب مسودّة

وبعض أكياس البلاستيك

وزجاجات المياه الفارغة

التى تركها المصطافون

قبل مغادرتهم

ورغم أن البرودة تلف المكان

فإننى أحتمى منها

بوضع كفىّ فى جيوب معطفى السميك

وأرتدى طاقية صوف

تغطى الوجه والأذنيْن .

خلفى بعض المبانى

التى لم يعد بها أحد من السكان

وهناك شباك أو أكثر

تركه أصحابه مفتوحا

فانكسر زجاجه

وراحت الريح تعصف به

فيصدر صوتا مزعجا

وهو الصوت الوحيد

الذى يمكننى أن أسمعه

* *

لماذا تلح علىّ بشدة

صور أصدقاء طفولتى ؟

بعضهم بالأسماء

والكثير منهم بالوجوه فقط

لقد عشت معهم أجمل فترات حياتى

ورغم رذالة القلة منهم

كانوا جميعا ودودين

ويتضاحكون طوال الوقت

وعندما كبرنا وتفرقت بنا السبل

كنت لا أسمع عن وفاة أحدهم

إلا بعد فترة طويلة

فأترحّم عليه

ولا أجد من أعزّيه فيه

فأنكفئ على حزنى

وأبكى بدون دموع !

* *

وكان الحب الأول

كالبدر المكتمل فى ليلة ظلماء

أضاء المكان كله من حولى

وجعلنى أرى ما لم يستطع غيرى

أن يراه ..

أحببت الشارع الذى تسكن فيه

وبيتها الذى كان يتوسطه

والشرفة التى كانت تطل منها

والمدرسة التى كانت تذهب إليها

ولم أكن أتخيل أبدا

أن السعادة التى تغمرنى

سوف تنتزع منى بتلك القسوة

عندما علمت أنها ستتزوج

وتغادر مع زوجها إلى مدينة أخرى !

* *

ثم جاءت سنوات الجامعة

فكانت هى الدواء لمريض

كان متوقد العقل ،

لكنه ممزق القلب !

وبالتدريج بدأ الجرح يندمل

والقلب يعود إلى الخفقان

حين شاهدت إحدى الزميلات

من ذوات العيون الخضراء

تضع وردة فى شعرها

ومجموعة من الكتب فوق صدرها

وكانت هى الحضن الثانى

الذى ضمنى إلى حنانه

واستطاع أن يعبر بى

سنوات الجامعة الأربعة

حتى غابت هى الأخرى

فى نفس الطريق الأول !

ومن نعم الله على الإنسان

أن العمل يأتى إليه

فى الوقت المناسب تماما

فيشغله عن همومه الشخصية

وأحزانه الخاصة جدا

ويلقى به فى أمواج الحياة اليومية

وهى مليئة بطعم الملح والسكر

تومض له أحيانا

فتخطف بصره من الفرحة

وفى أحيان أخرى

تطفئ من حوله كل المصابيح

وعندئذ يجد نفسه مضطرا

لعبور طريق طويل

به أشجار عالية

لكنها غير مورقة !

وبينما يسير الإنسان مجهدا فى طريقه

يتعرض للكثير من السهام

التى يطلقها عليه الحاقدون ،

والمنافسون ، والأشرار ..

وبعض هذه السهام تصيب جسده

فتترك فيها جروحا لا تلتئم

إلا بعد وقت طويل

وبعضها الآخر – وهى الأقسى –

ترشق روحه

وتستقر فى قلبه

وهى لا تقتله

لكنها تؤلمه بشدة

وتظل مكسورة فيه

مثل الرصاصة التى يقرر الأطباء

عدم نزعها

فيعيش بها الإنسان طوال عمره !

* *

وكما قيل بحق

الناس كائنات مدنية

يتأثر بعضها ببعض

ويستمع بعضهم لنصائح بعض

وفى لحظة

يجد الإنسان أنهم على حق

حين يلومونه على عدم الزواج

والواقع أن الزواج ضرورة :

نفسية واجتماعية

وهو المشغلة الكبرى

التى يتقاسم فيها الفرد حياته

مع شخص آخر

والغريب أن الزوج لا يشعر خلاله

بلحظات السعادة المركزة

إلا بعد أن تزول

أما المأساة الكبرى

فهى أن تموت الزوجة

الأصغر سنا

قبل زوجها الأكبر سنا !

* *

يتلاشى ضوء النهار

وتسقط شمس المغيب فى البحر

ويحل ظلام الليل

فتزداد برودة الشاطئ

وأحس بأن المعطف السميك

الذى أتدثر به

لم يعد يكفى لسريان الدفء فى أطرافى

أنهض متحاملا على جسدى

وقدماى تنغرسان

ثم تتحرران بصعوبة

من رمل الشاطئ المبتل

والملئ بالقطع الخشبية السوداء

وأكياس البلاستيك

وزجاجات المياه الفارغة

التى تركها المصطافون ، وغادروا

ويظل السؤال الذى يشغلنى :

لماذا أنا وحدى الذى بقيت

فى هذا الشتاء

على هذا الشاطئ !

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

التعليقات (0)Add Comment

أضف تعليق
تصغير | تكبير

busy