|
البحيـرة
[من بطولات الأهالي في بحيرة المنزلة
أثناء العدوان الثلاثي على مصر 1956..]
فى مياه البحيرة الرقراقهْ
زورقٌ شدّ للمسير نِطاقهْ
مستعيداً من الشباب صباباتٍ ،
ومن عَزْمة الحياة .. انطلاقَهْ
كلّ ما فيه كومة من شباك
قاسمته على المدى أرزاقه
وشراعٌ .. رَفَتْه من أثر الخرْقِ ..
عجوزٌ ضريرة مشْفاقه
لفتاها .. الذى تفتّح كالزَهر صباهُ .. نضارةً وطلاقهْ
وغداً يعشق الهروب من الشطّ ،
ويدعو إلى المياه رفاقه
ليس يدرى الصبى .. واللهوُ يجرى
فى دماهُ .. حكايةً ألاّقه
ملءَ صدر العجوز .. تنتظر الليل ، فتسرى لروحه التوّاقه
ذكريات تضئ فى قلبه الكون ،
وتروى من الظما أشواقه
"إيه يا طفلى الحبيبَ ..
وقد صرت فتياً ..
ولم تعُدْ بى طاقَهْ"
"كاد يوم الرحيل يقرعُ بابى
وشظاياه تستبيح اختراقه "
"وأرى العمر فوق فُوَّهَةِ الموت ..
يعانى خفوته واحتراقه"
فرنا الطفل للعجوز مليِّا
ثم أَلْفَى دموعها المُهْرَاقه
تتهاوى على طراوة خدّيه ،
وتكوى بلذعها أحداقَهْ
وصدى صوتها العميق يدوّى
فى حناياهْ .. مضرماً أعماقه
* *
"ذات يوم .. سمعتُ – يا ولدى-
الناس يسيرون فى خطى سَبَّاقه"
"وضجيجاً يثور من جهة الماء ،
ويشتد نافخاً أبواقه "
"وأتتْ جارتى تولول فى الكوخ ،
وتُلقى بلفِّةٍ خفَّاقهْ "
"كنت فيها وليدَ عامٍ .. وصاحتْ
مات زوجى ، تعمّدوا إغراقه"
" يا لجوع الذئاب ..
يصرخ بالحقد ،
وينصبّ قسوة وحماقه"
"احفظى خالتى الصغير برفق
ثم ولَّت لثأرها منساقه "
" فى جموع تمدّ للموت كفا
وبكفِّ تفجرّ الإشراقه "
"لم تعد بعدُ يا صغيرى .. وأَنَّى
يلفظُ الماء من حشاه رفاقه !"
وتراخت قُوى العجوز ،
فنامت نَوْمَةَ الروح ،
لا تروم إفاقهْ
وبكاها الصغيرُ .. ياما بكاها
بدموع سخينة دفَّاقَهْ !
كلما زار قبرها ، لم يدعه
قبل أن يُدْمِى الأسى آماقه
ويلمّ الزهور تحت ندى الفجر ،
ليُلقى على ثرى القبر باقه !
* *
ثم دار الزمان ..
فانطفأ الحزنُ ،
ونامت شجونُه الخفَّاقهْ
ومشت بهجةُ الحياة إلى القلب مراحاً ، وصبوة ، وطلاقه
وتراءت على البحيرة أفراح
وغنت شفاهُها المشتاقه
إن من يذهب الغداة إليها
فسيلقى مياهها الرقراقه
ويرى الزروق العتيق .. قوياً
يتهادى شراعُهُ فى انطلاقَهْ
وعليه فتى .. يجدّف فى الماء ،
ويهدى لمن به .. أشواقه
ــــــــــــــــــــــــــــــ
 |
