عداد الزائرين

mod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_countermod_vvisit_counter

إضافات حديثة

   
 
الحبال الثلاثة صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك
كتبها Administrator   
الاثنين, 25 مارس 2019 02:05

الحبال الثلاثة

(مقال فلسفى)

للدكتور حامد طاهر

ـــــــــــــ

مهما فعل الإنسان أو حتى حاول ، فإنه يظل مربوطا بثلاثة حبال يشده كل منها إلى جهة معينة ، وهى حبل الماضى ، وحبل الحاضر ، وحبل المستقبل .

 

أما حبل الماضى ، فهو الذى يشده إلى الأحداث التى وقعت له، والعلاقات التى أقامها أو قطعها ، والأشخاص الذين أخلصوا له أو خانوه . ومجموع هذه الأمور هى التى تشكل " حقيبة الذكريات " التى يحملها كل منا على ظهره ، ولا يستطيع مهما أقدم على إلقائها أو محوها أن يتخلص منها . وعلى الرغم من أن الكثير منا يحاول أن يفعل ذلك ، فإن القليل جدا هو الذى قد ينجح ، ويرجع السبب إلى أن أحداث الماضى وشخوصه ليست مجرد أطياف أوخيالات ، بل إنها جزء من لحم الإنسان ودمه ، فكيف يمكن التخلص منه ؟

 

إن الماضى ليس أرضا مستوية ، بل إنه منطقة مليئة بالتضاريس المرتفعة والمنخفضة ، وكذلك بالحفر والصخور ، وهذه هى ما تمثل الهزائم والانتصارات ، والمقالب المضحكة والمبكيات . وبالطبع يحاول معظمنا أن يتجاهلها أو ينساها لكنها تتميز بالعناد الشديد ، فتتقلّب على الدوام فى ذاكرته ، وتظهر فى أدق تصرفاته أو حتى فى كلماته . والأهم من ذلك كله أنها لا تتركه أثناء النوم ، فتخرج بكل حيويتها وشراستها فى أحلامه !

 

لكن الماضى كما يكون مثبطا للإنسان ، وعقبة فى طريقه نحو الحاضر والمستقبل ، يمكنه أيضا أن يكون دافعا قويا للتخلص من سلبياته ، والعمل بجدية لتحويل مساره ، وتعديل اتجاهاته . وهنا قد نلتقى بالكثير ممن عانى الفقر يسعى إلى الغنى ، ومن تعرض للتهميش والإذلال ينطلق نحو السلطة والجاه ، ومن ذاق مرارة الحرمان والجوع يتجه إلى إشباع رغباته ، وملء جوفه بأكثر مما يحتمل .

 

ومن المقرر أن الكثير من أحداث الماضى ومواقفه يمكنها أن تفسر وتكشف لنا تصرفات الإنسان فى حاضره ، وربما أيضا فى مستقبله ، وخاصة حين نقف على بواعثها أو دوافعها الخفية ، والتى يحرص الإنسان على وضعها فى صندوق مغلق ولا يسمح لأحد أن يطلع على أى شىء مما فيه .

 

وفيما يتعلق بحبل الحاضر ، فهو الذى يربط الإنسان بواقعه ، وهو يختلف عن حبل الماضى من حيث الطول والوحدة ، لأنه حبل قصير مضفور من عدة حبال مختلفة ، تربط الإنسان بمشاغله اليومية ، ومشكلاته الآنية ، ورغباته الخاصة ، ومن أهمها : الأسرة ، والعمل ، والدخل ، والحاجيات الضرورية والكمالية ، والوسط الاجتماعى ، والمجال الترفيهى .. وبالطبع يتفاوت الناس فى الاهتمام بأحد أو ببعض هذه المجالات عن غيرها . وما أصعب حال من يسعى لتحقيقها (كلها) ، إذ يجد نفسه موزّعا بل مشتتا بين اهتمامات مختلفة ، وأحيانا متضاربة .

 

ولعلنا نلاحظ أن الإنسان الذى يهتم بعمله ، ويكرس كل أوقاته للنجاح فيه ،لا يجد الوقت الكافى للاهتمام بأمور أسرته ، أو بأصدقائه ، كما أن الذى يهتم بأسرته ، ويغرق فى مشكلاتها لا يجد الفرصة الملائمة للتوفيق فى عمله أو تحسين دخله .والأسوأ من هذا وذاك : الإنسان الذى يلقى بنفسه فى مجال الترفيه يكاد يفقدها تماما فى مجال الأسرة والعمل .

 

هى إذن معادلة صعبة ، تلك التى تتعلق بتوزيع اهتمامات الإنسان فى حاضره بالتساوى على مختلف المجالات التى تحيط به من كل جانب .وهذا بالنسبة للإنسان العادى ، أى الذى ليس لديه طموح ما ، ولا هواية محددة ، أما بالنسبة لهذيْن الصنفيْن ، فإن كلا من الطموح والهواية يستغرقه بالكامل ، وقد يأخذه بعيدا عن الحياة الأسرية والاجتماعية . وفى حالة إذا لم يوفق فى تحقيق شىء فيهما ، فإنه قد يقع ضحية أحلام اليقظة ، أو يحاول التغلب على فشله فيهما بالمهدّئات أو حتى بالمخدرات .

 

ولا شك أن الحاضر قاس ، وهو سريع الإيقاع ، لا ينتظر مبطئا ، ولا يأخذ بيد جريح . والسبب أنه ابن الواقع المتغير دوما ، والذى تكثر فيه الصدمات والمطبات ، وهذا ما يجعل الناس تسير فيه وكأنها مغيّبة ، قلما تراها ضاحكة أو حتى مبتسمة ، فالكل يلهث وراء هدف ، وربما أكثر من هدف ! ومعظمهم يتوقع أنه سيحصل على السعادة بمجرد تحقيق هدفه، لكن هيهات ! فالسعادة ليست شيئا نمسكه باليد ، لكنها ــ كما ذهب ابن حزم الأندلسى ــ عبارة عن طرد الهم ، وإبعاد الحزن عن القلب .

 

أما الحبل الثالث الذى يربط الإنسان بالمستقبل ، والذى يمكن أن نسميه حبل الأمل فيما لم يستطع الإنسان أن يحققه فى ماضيه أو فى حاضره ، لذلك فهو يتوقع أن يحدث فى مستقبله . لكن إذا كانت النتائج تخرج دائما من مقدماتها ، فإن تحقيق شىء فى المستقبل يظل متوقفا على توافر إمكانياته فى كل من الماضى والحاضر . ومن النادر أن يحقق الإنسان فى مستقبله ما لم يستطع أن يمهد له فى حاضره ، أو يكون لديه الدافع له فى ماضيه .

 

وإذا بحثنا جيدا فى مدى متانة حبل المستقبل وجدناه أضعف بكثير من الحبليْن الآخريْن ، لأن الماضى قد وقع بالفعل ، وصاحبه يحمل تبعاته على ظهره ، والحاضر يحدث يوميا وهو يقيد خطوات الإنسان ويشتت جهوده ، أما المستقبل فهو عبارة عن فضاء هلامى يصعب على أى إنسان الإمساك به ، فضلا عن تصوره .

 

وعلى الرغم من ذلك ، فإن الإنسان الميّال عادة للمغامرة يحاول أن يتمسك بحبل المستقبل ، لتعويض ما فاته . ويحدث ذلك دائما فى حالتين : الفشل والشيخوخة . والمسألة هنا أقرب إلى الهروب إلى الأمام . لكن هل هذا ممكن ؟ كلا ، فليس كل ما يتمناه الإنسان يتحقق ولا سيما فى مثل هاتين الحالتين !

 

والخلاصة أن تلك الحبال الثلاثة هى التى تزود الإنسان بمجموعة من الروابط التى تظل تشده إلى الدنيا على مدى عمره القصير نسبيا . ومن الواضح أنه بدونها قد يفقد معنى الحياة ، ويتحوّل وجوده إلى يأس كامل ، او ليل بدون نهار .


التعليقات (0)Add Comment

أضف تعليق
تصغير | تكبير

busy